دار المواطن أية رؤية وأية رسالة ؟
عبد الله أبوأياد العلوي أستاذ بالمعهد الملكي لتكوين الأطر/ الرباط
إن القراءة المتأنية للأداء المؤسساتي المتخصص في التنمية البشرية ،بغرض التقييم والإسهام في صياغات إستراتيجية تبرمج بمناهج استياقية يوظف عبرها الحاضر في تأمين المستقبل ، غالبا ما تطرح على الباحث والمهني المتخصص بالإضافة إلى المقرر السياسي مجموعة من التحديات منها :امتلاك منظور مستقبلي بعيد المدى.قد يتراوح ما بين عشر سنوات و خمسة عشر سنة ،ولكنه يتجدد باستمرار ثم رصد العوامل المؤثرة في وضع المؤسسة وأدائها داخليا وخارجيا.
فدار المواطن كمؤسسة سوسيو تنموية تنشد تمكين الثروة البشرية الوطنية من المهارات الحياتية بالإضافة إلى دعم اقتداراتها المعرفية وثقافتها الإنجازية ودعم صحتها النفسية وتحصينها ضد كل إحساس بالاستبعاد الاجتماعي أو الشعور بعدم الانتماء أو ضعف التقدير وعدم القدرة على تحقيق الذات ،ليست معزولة عن حركة الواقع وتحديات المستقبل . وهذا يعني بأنها فضاء دائم التغيير والحركة يصعب سجنه داخل أسلوب جامد أو برنامج نمطي،وهذا يستدعي العمل على إعادة التفكير بشأن المؤسسة السوسيوتنموية عامة ومن ضمنها دار المواطن من أجل أداء يتوافق ويستجيب لمتطلبات التغيير المتأصل أو الطارئ أو المتوقع في البيئة الخارجية الحاضنة للمؤسسة .وذلك بالتركيز على الأداء وكيفياته ومستوياته واتجاهاته.وليس في البيئة الداخلية للفضاء واستبدالها ببيئة أخرى.
وذلك يتبنى أداة تنظيمية متوازنة في اعتماداتها التدبيرية بين التمركز الشديد واللامركزية المفرطة ،أو ما يسميه بعض الباحثين strategy of edge بحافة الفوضى وهو تنظيم وسط بين البيروقراطية والفوضوية أو إستراتيجية الحافة والذي يعني بأن المؤسسة قادرة على استيعاب التغيير ومواكبته باستمرار بناء على موقوفها بشكل متوازن يبين الجهود البيروقراطية والوضع الفوضوي
فدار المواطن ليست تكرارا لفضاء المدرسة ولا نسخة منقحة من دار الشباب كما أنها ليست بمركز للتربية والتكوين أو مؤسسة خيرية ولكن يمكن من خلال الاختصاصات الموكلة لها بمقتضى المادة الثانية من مقرر السيد مدير التعاون الوطني رقم 000637 بتاريخ 17 يونيو 2005 والخاص بأحداث دار المواطن بأنها مركز للإنصات والتوجيه والتضامن ،ودار للتوعية والتربية على المواطنة، وفضاء للتأهيل والإدماج الاجتماعي، وبصفة عامة هي مؤسسة لكل الخدمات الاجتماعية المتوجهة نحو الفرد أو الجماعة أو المجتمع.
فهذه المؤسسة تشتغل مع أشخاص غير متجانسين وفي ظل حقائق بينية اجتماعية واقتصادية وثقافية مختلفة ،ولتقديم خدمة اجتماعية متوازنة ينبغي إلمام العامل السوسيوتنموي بمجموعة من القدرات المعرفية والثقافية الإنجازية منها ما يتعلق بدراسة الإنسان ،ومنها ما يهم دراسة المجتمع ،وكذا العلاقة المتبادلة بين الفرد والمجتمع.
أولا: العمل مع الإنسان
فعلى مستوى الإنسان يجب الإلمام بالجوانب المختلفة من حياته الجسمية والنفسية والاجتماعية .ففي هذا الجانب تؤكد العديد من الأبحاث على وجوب تركيز العمل السوسيوتنموي على وحدة الفرد واستمرار نموه وتأمين ايجابية تفاعله المستمر مع بيئته الاجتماعية والثقافية . وعليه يصعب علينا النجاح في تمكين المواطن من الانخراط في جهود التضامن والتنمية التي تسعى دار المواطن لتحقيقها في غياب إدراك سليم لشخصية المستهدفين باعتبارهم كائنات أكبر من مجموع الأجزاء المكونة لها ،والقيام بتحليل الأجزاء من ناحية علاقة كل منها بالجزء الآخر،وهي العلاقة التي تؤلف المرء في مجموعة ثم لابد من إدراك أن الأفراد قد يتشابهون في بعض الخصائص ويختلفون في البعض الآخر،وأن كل شخص في النهاية هو فرد متميز عن غيره من الأفراد .ويحتاج العامل بدار المواطن أيضا إلى مساعدة في إجراء التصنيف والتعميم عن طريق دراسة ملف الشخصي للفرد والذي يجب أن يشكل قاعدة معطيات ترتكز على المكونات الشخصية والسلوكية والبيئية ،وهذا أمر ضروري لتكوين معايير يمكن في ضوئها اعتبار استجابة معينة أو سلوك معين عاديا كان أم شاذا بحسب درجة النضج الجسمي والنمو النفسي للشخص من حيث عمره وبيئته الاجتماعية والثقافية.
ومن المفاهيم الأساسية في دراسة سلوك الكائن البشري ما يتصل بمرونة الفرد ونزوعه نحو تحقيق التكيف الشخصي والاجتماعي ،وهذا المفهوم يقترب من عملية ميل الجسم نحو بلوغ حالة من التوازن العضوي والكيمائي .فإذا زادت حرارة الجسم مثلا عن حد معين تصبب العرق بطريقة آلية تؤدي إلى ترطيب الجسم لكي تنخفض درجة الحرارة ويعود الجسم إلى حالة من التعادل وسعيه في استعادة هذه الحالة إذا تعرضت لتهديد من الخارج أو الداخل. وهي تمثل من زاوية التحليل النفسي نشاط الأنا والأنا الأعلى للمحافظة على التوازن النفسي ،وتنظيم الدوافع واستخدامها في توجيه الفرد إلى مطالب الواقع الخارجي والدوافع اللاشعورية .وإذا نظرنا إلى فكرة مرونة التكيف الإنساني نجد أنها تخضع لما لدى الفرد من قدرات موروثة والطريقة التي تنبح في تكوينه الاجتماعية وكيفية استجابته للضغوط التي تفرضها البيئة وما يكتسبه أو ما يحرم منه في مراحل نموه.
وبالنسبة للنمو الجسمي ينبغي أن يعلم العامل السوسيوتنموي بدار المواطن بقوانين الوراثة وبالمشكلات الخاصة بالأثر النسبي لكل من الوراثة والبيئة في تشكيل شخصية الفرد.وأن يتعلم شيئا عن الفروق الجسمية بين الجنسين وعمليات العمل ونمو الجنين والولادة .والنمو الجسمي للرضيع وإدراك خصوصيات النمو خلال مرحلة الطفولة المبكرة بكل أبعادها الجسمية والنفسية والعقلية والحسية والحركية ،ثم أهمية النمو بالنسبة للأطفال والمراهقين والشباب والكهول والمسنين.ولا ينبغي أن تنفصل هذه الموضوعات من الناحية النفسية والاجتماعية لأن لكل مرحلة خصائصها الجسمية والنفسية والاجتماعية التي ترتبط بها كما تنشأ عنها حاجات خاصة .فمن المستحيل مثلا دراسة تغذية الرضيع دراسة مادية خالصة دون الإشارة إلى الرضاعة الطبيعية من أهمية انفعالية في حياة كل من الأم والطفل ومساهمتهما في تحقيق سلامة الصحة النفسية للمرء. وكذلك تفقد التطورات الفسيولوجية التي تجعل الطفل قادرا على المشي ثم على الكلام كل أهميتها إلا إذا درست من حيث علاقتها برؤية العالم والبيئة الاجتماعية من جديد ،وهي الرؤية التي تتيحها حركة الطفل من مكان إلى أخر وكذلك من حيث علاقتها بالأهمية الجوهرية للغة باعتبارها الوسيلة الأولى للاتصال بين الأشخاص وتأسيس للثقافة.
وكذلك ينبغي دراسة النمو الجسمي والنفسي للطفل،وهذا النمو هو الذي يسمح للطفل بالانتقال من الجماعة الأولية (الأسرة) إلى الجماعات الأخرى (رياضة الأطفال - جماعات اللعب - جماعات المدرسة...) وذلك من ناحية أهميتها النفسية والاجتماعية في نمو الطفل وطبيعة الخبرة الأسرية التي تسهل له الانتقال أو تعرقله .والتي تؤكد فيه الثقة بالنفس أو التي تملؤه بالخوف وتدفعه نحو الانكماش.
فقيام العامل السوسيوتنموي بدراسة التغيرات السيكولوجية التي تحدث في سن المراهقة والتي تصاحب عملية النضج الجسمي والعقلي السريعة التي تميز مرحلة المراهقة وعلاقتها بتدفق المشاعر وشدة الدافع الجنسي .وكذا إلمامه بالأساليب التي تتيحها الثقافات السائدة في المجتمعات المختلفة الانتقال إلى عالم الكبار أو تعوقه.وذلك بالتركيز على دراسة خصائص النضج الجسمي ،والزواج ،والحمل،وأطوار الحياة المحفوفة بالمخاطر الصحية .بالإضافة إلى التمكن من الدراسة التطورية للطبيعة الجسمية للمرء من خلال الإطلاع العلمي على التركيب الكيميائي للجسم البشري بكل أجهزته ووظائفه.
وهي دراية لابد من التكوين من أجلها كضرورة لمعرفة العلاقة بين حاجات الجسم والبيئة الطبيعية والاجتماعية التي يعيش فيها الإنسان.ومن تم يعتبر الغذاء من الموضوعات الأساسية لارتباطه بحاجيات الفرد الجسمية ،وكذا أهميته النفسية كرمز للعطاء لإشباع حاجات أساسية ( الحاجة إلى الأمن ) وأهمية اجتماعية كما تبدو في العادات والتقاليد المختلفة الخاصة بالغذاء وارتباطه بالمناسبات الاجتماعية في مختلف الثقافات. ويجب ألا تنحصر معرفة العامل السوسيوتنموي عند هذا الحد ،بل لا بد من ضبط طرق إنتاج الغذاء وتوزيعه ومكانته في المستويات المعيشية للأسرة وارتباطه بمدى قدرات التخطيط والعمل التدخلي في الساهمة في ضمان موارد الغذاء الأساسية للمحافظة على الصحة وخاصة لدى الأم الحامل والمرضعة وتغذية الرضع والأطفال في سن التمدرس ،حيث توجد علاقة بين حاجيات الجسم وطرق إشباعها في بيئة معينة وبين العادات الاجتماعية والسياسية والخدمات السوسيوتنموية واقتصاديات الإنتاج والتوزيع والتربية والثقافة والرياضة والوقت.
كما أنه من الواجب على العامل السوسيوتنموي التسلح المعرفي والمهني في التعامل مع أصحاب الحاجات الخاصة وذلك بالتركيز على إدراك اثر العوائق والأمراض والإصابات في قيام الجسم بوظائفه الطبيعية وتصنيف تلك العوائق إلى ما هو طبيعي ناتج عن الولادة ،وما هو ناتج عن المرض من أمراض الربو و الدرن و أمراض الجهاز التنفسي .وكذا الأمراض الناتجة عن الجهاز العصبي المركزي كالشلل والصرع وأمراض القلب والشرايين وأمراض الجهاز الهضمي .ثم الأمراض المعدية مثل الايدز ،والأمراض التناسلية والسرطان ،والأمراض الطفيلية ،والأمراض الجلدية .بالإضافة إلى الجهاز الغددي وما للغدد من أدوار هامة في مختلف مراحل الحياة وعلاقتها بالانفعالات والآثار الحسية الناتجة عن تعطل وظائف الغدد.وأخيرا رصد العجز الناتج عن الحوادث والإصابات.
فللتمكن من الأداء السوسيوتنموي الجيد لدار المواطن لابد للعامل بها سواء كان مستخدما تابعا لإدارة التعاون الوطني أو مستعارا من الجماعات المحلية أو من إدارة عمومية تابعة للدولة أو متطوعا جمعويا من أجل التنمية أن يلم بأعراض الأمراض وأسبابها سواء كانت الحالة قابلة للشفاء أو مستعصية أو من الحالات التي يمكن تثبيتها ،كما يجب عليه التعرف على المضمون الانفعالي في كل مرض وخاصة الحالات السيكوسماتية التي يكون فهم المضمون الانفعالي فيها ضروريا لفهم أصل الحالة وعلاجها.
وحيث أن هم العامل السوسيوتنموي هو مساعدة الناس عندما تواجههم أزمات أو مشكلات تسبب لهم توترات في معيشتهم الحياتية وتقديم العون والمساندة من أجل تحقيق التكيف الإيجابي والتمكن من تدبير أحوالهم ومواجهتهم الصعوبات بشكل سليم فإن وظيفة هذا العمل السوسيوتنموي لا ترتكز على المرض نفسه بقدر ما تركز على نتائج المرض والآثار الشخصية والأسرية والاجتماعية التي تترتب عليه.ومن هنا يتبين بأن حاجة العامل السوسيوتنموي إلى معرفة الفرق بين الأمراض الحادة والمزمنة ومصادرها وهو أمر يعود إلى اختلاف مواقف المرضى وأسرهم من المرضى وكذلك إلى أثر نوع المرض في طريقة عيش المريض والأعباء المادية التي يتحملها المريض وأسرته لتسديد تكاليف الفحص والعلاج والتحاليل..
و المطلوب من زاوية أخرى قيام العامل السوسيوتنموي إدراك ما يشعر به الآباء الذين ينجبون أطفالا ضعاف الأجسام أو ضعاف العقول ويعانون من مرض مزمن أو من مرض فقدان الإحساس بالألم ..من نقص وإحساس بالذنب وأن يتفهم الأساليب التي يعبرون بها عن تلك المشاعر من نبذ وإعراض أو عدوان ،أو تعلق زائد عن الحد أو إسراف في القلق.
وعلى العامل السوسيوتنموي أيضا واجب التفهم العلمي لعالم المكفوفين المظلم وعالم الصم الصامت ولو أنهما عالمان مختلفان ،إلا أن كل منهما يمثل عالما من الوحدة والعزلة ،وأنهم يحتاجون إلى الجهد الكبير للخروج من تلك العزلة وأخذ المكانة المناسبة في جماعة الأسرة في الحياة الاجتماعية العامة ،مع الحرص على إدراك العامل السوسيوتنموي للآثار التي تترتب على العاهات في الأشخاص أنفسهم إذ أنهم يشعرون بالنقص ،وبأنهم مختلفون ومنعزلون وأنهم موضع رثاء المحيطين بهم.
وعلى العامل السوسيوتنموي فهم ما يبدو على المريض من نكوص وما يطلبه من طلبات متطرفة ،ورصد حاجته إلى العطف والسلوى ومساعدته للتغلب على الخوف والقلق والانزواء والحزن.
ويجب إلا ينحصر الأمر في الدراية بالأمراض والعاهات وما يرتبط بهما من حالة انفعالية تؤثر في المريض وأسرته فحسب،بل عليه أن يدرس ما يتصل بالمريض من آثار اجتماعية وأن يخطط على إثر ذلك عمليات التدخل الطبي التطوعي في إطار الشراكة بين دار المواطن و المنظمات غير الحكومية الوطنية والأجنبية .وكذا استثمار شراكات التعاون الوطني مع الأجهزة الرسمية و التطوعية الوطنية والدولية لصياغة برامج سنوية للرعاية والتوعية والعلاج الصحي مثل تنظيم حملات للطب العام أربع مرات في السنة لكل تخصص لفائدة المحيط السكني لدار المواطن .أما بالنسبة لأهمية النمو النفسي والسلوك الإنساني الواجب الحرص على انتعاشه من لدن العامل السوسيوتنموي داخل دار المواطن ،فهو جانب هام في رسالة هذه الدار حيث يدور الاهتمام حول النمو الانفعالي والنمو العقلي .وينبغي الإشارة هنا إلى أنه بالرغم من عمومية الحاجات والدوافع الإنسانية العامة إلا أنها تظهر في أشكال مختلفة في الثقافات المتباينة .والفكرة الأساسية في ذلك هو الدور الحيوي الذي تلعبه الأسرة كجماعة اجتماعية أولية تقوم على أساس بيولوجي في تكوين الصغار وتشكيلهم واعتمادهم على الأبوين لمدة طويلة لإعالتهم بالمقارنة مع سرعة نضج صغار الحيوان .وينبغي للعامل السوسيوتنموي الإلمام العميق بحاجيات الطفل النفسية واعتماده على أمه لإشباع حاجاته المادية والنفسية وتأثير ذلك في صحته النفسية .ويبدو ذلك حالة نمو الطفل بصورة طبيعية بالمقارنة بالنتائج المدمرة التي تصيب حياة الطفل في حالة حرمانه .هذا ولا تشكل علاقات الطفل بأبويه وأقاربه المباشرين حاجاته الأساسية فحسب بل تساهم كذلك في الأنماط الأسرية والمسؤوليات المقبولة في مختلف الثقافات في تنشئته الاجتماعية.
فلا بد من تمكن العامل السوسيوتنموي من الطرق التي يبدأ بها الطفل في الانتقال إلى الجماعات الثانوية في مرحلة المراهقة والاندماج في جماعات العمل في مرحلة الرشد وما يتعرض له من صراعات أو توترات في البيئة الخارجية وكذلك إجراءات اندماج الشخصية الاجتماعية والقانونية .وما يتسم به الزواج من مشاركة في مسؤوليات تكوين الأسرة وإنجاب الأطفال وتربيتهم وتنشئتهم اجتماعيا ،و الدور الذي يقوم به كل من الزوجين والأب والأم في الزواج والأسرة ،حيث أن أهمية المعرفة المتجددة للنمو النفسي وأصل السلوكات المنحرفة غالبا ما تنتج عن الزواج غير الموفق والأسرة المحطمة أو ما للنزاع والصراعات الزوجية ،والمرض والعطالة عن العمل ،واليتم وانعدام التدين من أثر سلبية على النمو النفسي لدى الفرد.
ويشمل النمو ظروف الحمل والولادة وعلاقة الأم بالرضيع ،وخاصة ما يتصل بتغذيته وإحاطته بالرعاية والحب وتوفير الأمن والاطمئنان له،ثم مرحلة الفطام والتسنين وتدريب الطفل على تنظيم وظائف الإخراج وأهمية ذلك في البيئة التكافلية والطريقة المتبعة لذلك .والمشكلات الانفعالية التي تترتب عليها ،وكذلك دراسة مراحل النضج وزيادة قدرة الطفل على الحركة والتنقل واكتساب مفردات اللغة ،ثم يصبح اللعب ذا أهمية خاصة بالنسبة للطفل كوسيلة للتعبير عن عواطفه المختلفة من حب وكراهية وعدوان،وكوسيلة لاكتشاف العالم المحيط به.
فبداية المرء بالابتعاد عن الأسرة قد تكون في السن الرابعة وحتى السادسة حيث تتسع الرغبة في تكوين علاقات مع أطفال آخرين سواء من جماعات الحضانة أو جماعات اللعب التلقائية .ونتيجة التفاعل المستمر مع الآخرين يستطيع الطفل التنازل عن بعض حاجاته ويتحمل الإحباط الذي يشعر به إذا لم تشبع حاجاته العاجلة.
أما بالنسبة لسلوك المراهقين والمراهقات فهو أشد ما يجب على العامل السوسيوتنموي تفهمه بشكل علمي وعملي ،وخاصة من حيث الميل إلى جماعات من الجنس الآخر ،والرغبة في تكوين جماعات والأصدقاء القوية أو العصابات والتمرد على سلطة الأبوين والرغبة في التحرر من قيود الأسرة والنزوع نحو الاستقلالية والمسؤولية.ثم الرغبة في اختيار الشريك من الجنس الآخر يقصد الزواج حسب التقاليد السائدة في البيئة المعيشية .كما أن لمناهج وبرامج استثمار الوقت في العلم أو في العمل ،أو التثقيف الذاتي أو التنشيط البدني أو في التطوع السوسيوتنموي تأثيرات كبيرة نظرا لأهميتها في تدعيم وتحصين سلامة الصحة النفسية للأفراد والجماعات.
ومن الأمور الواجب الاهتمام بها داخل دار المواطن هي الحرص على الربط بين مراحل النمو وعلاقتها بالأهمية النفسية للتعلم والعمل،وما يضفيانه على الفرد من أهمية من حيث المكانة الاستقلالية ويجب أيضا إدراك الطرق المتبعة في العمل على الفرد والأسباب المؤدية إلى النزاع داخل العمل مع الرؤساء وأرباب العمل وهي التي كانت تحدث مع الآباء من قبل.ويتوقف النجاح في هذه المرحلة على قدرة العامل السوسيوتنموي في تمكين الفرد من الإقتدارات المعرفية والانجازية بالإضافة إلى الحصانة النفسية الميسرة لتحمل المسؤوليات التي يفرضها العمل،وكذلك القدرة على نسج العلاقات الإنسانية الناجحة مع الزملاء ويطال جهد العامل السوسيوتنموي في هذا الصدد المكانة التي يمنحها المجتمع للفرد وقدرة هذا الأخير على التكيف مع الأدوار المختلفة التي يتحتم عليه القيام بها.
وللفرد المسن أهمية بالغة في الاهتمامات العلمية العملية للعامل السوسيوتنموي فقد تكون للمسن مكانة احترام وتقدير داخل بعض الثقافات ،وقد يتم في بعض الثقافات الأخرى بالعزلة والانطواء والإبعاد ،بالإضافة إلى الفراغ والضعف والمرض حيث يعاني الفرد المسن من الإهمال و النقص والحرمان من حقوقه الحياتية الطبيعية ،مثل الزواج بعد الترمل وممارسة الرياضة والمشاركة بالرأي والتفكير مما يجعله شديد الحساسية والقلق والحزن.
ويستطيع العامل السوسيوتنموي المتبصر ملاحظة السلوكات الانحرافية المختلفة في ضوء عملية النمو بأسرها ومن أمثلة ذلك السلوكات الإنحرافية لدى الأطفال الناتجة عن التفكك أو التصدع العائلي ،كما أن الحرمان النفسي الشديد قد يعوق النمو النفسي والاجتماعي ويؤدي غالبا إلى الانطواء والانسحاب أو العدوان أما سلوكات التخدير والسكر والدعارة والعلاقات الجنسية غير المشروعة فهي مجرد تعبير عن هروب من واقع غير قادر على إشباع الحاجات النفسية والاجتماعية بشكل متوازن كما يبدو وذلك أيضا نحو معاقبة الذات وممارسة العدوان على الآخرين نتيجة اضمحلال القيم وعدم توازن الفرص المتاحة للحياة بشكل سليم مع الطموحات المتزايدة للفرد داخل بيئة منحلة تكرس داخله الإحساس بعدم الانتماء.
فلا ريب في أن رسالة العامل السوسيوتنموي داخل دار المواطن هي رسالة التنمية البشرية تتأسس على المعرفة العلمية والمراس المهني للنمو البشري بكل أبعاده الجسمية والنفسية بالتركيز ‘لأي أهمية العلاقة الاجتماعية في نمو الفرد وأثر البيئة الاجتماعية في تكوين شخصيته وصياغة اتجاهاته وسلوكا ته.لكن لابد من النص على أن هناك وسط بين الفرد والبيئة الطبيعية يسمى البيئة الإنسانية المؤلفة من جماعات منظمة ممتلكة لثقافة معينة ،ويعتبر تفاعل الفرد مع الأشخاص الآخرين المحيطين به العامل الحاسم في تكوين معظم أنماطه السلوكية واستجاباته الانفعالية المختلفة،وهو أمر يتأكد بشكل متواصل لدى العديد من الباحثين السيكولوجيين المعاصرين الذين ينصون على عمق تأثير العوامل الاجتماعية والثقافية في تكوين شخصية المرء وضرورة دراسته في ضوء علاقته الاجتماعية .وهذا يتطلب من العامل السوسيوتنموي تفهم تكوين شخصية الفرد المستهدف من مناهج وبرامج دار المواطن في إطار عمليات التفاعل بين الفرد وبين العناصر الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بالمجتمع،وكذلك البيئة المادية والطبيعية والأصول التاريخية التي تؤثر بطرق مختلفة في أسلوب حياة المجتمع وتحدد آماله وأمانيه.
وتظهر أهمية العامل السوسيوتنموي بقوانين التفاعل بين الفرد والمجتمع سواء كان ذلك العامل يشتغل مع الأفراد أو الجماعات أو المجتمعات باعتبار المرء كل متكامل له طبيعة مادية ونفسية وعلاقات اجتماعية تؤثر في اتجاهاته وسلوكه،ويستدعي ذلك معرفة أساسية بإطار المجتمع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والقانوني والسياسي لكي يتسنى له تقدير مكان الفرد داخل هذا الإطار وأثر العمليات الثقافية والاقتصادية عليه.
ولعل من أهم المعارف الواجب التسلح بها من لدن العامل السوسيوتنموي المعرفة بضوابط التشخيص الاجتماعي ،ووضع الخطة العلاجية والإنمائية في ضوء العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية للوضعية أو الحالة أو الجماعة المستهدفة وكذلك في ضوء الموارد المتوفرة لدى المجتمع. أما تدخلات العامل السوسيوتنموي قد تكون عادية بالنسبة للتدبير اليومي للأداء السوسيوتنموي الذي تسعى دار المواطن إلى تحقيقه ،لكنها تكون استثنائية عندما يؤدي التفاعل بين الفرد ووضعية معينة إلى الضيق أو التو ثر أو لحث جماعة على الانخراط في عمل معين منذ استقلال المغرب و إلى الآن أن التعاون الوطني هو دار المواطن التي بدأت خدماتها تقديم المساعدات المادية ومنها إلى خدمة الفرد في سياق صعب لتصل إلى التنمية الإنسانية والإدماج الاجتماعي المنتج وفق مناهج وبرامج التثقيف على التضامن وتضييق المسافة الحميمية والتواصلية والمادية بين أبناء المجتمع ومقاومة الاستبعاد الاجتماعي،أنه شبكة للأمان والسلامة النفسية والاجتماعية ،ورافعة هامة في عملية التنمية البشرية المعتمدة على الإنصات السيكولوجي الفعال والتدخل السوسيوتنموي المنتج،والمتفهم لكل الضوابط القانونية والتوجهات السياسية للبلد وظروفه الاقتصادية ليس لأنها من عناصر البناء الاجتماعي للمجتمع المغربي فحسب بل لأن وظيفة هذه المؤسسة ومن خلالها دار المواطن هي إشباع الحاجات الاجتماعية داخل المجتمع ،وعن طريق استخدام إمكانيات العمل السوسيوتنموي العام والخاص والجمعوي.
ثانيا : العمل مع المجتمع
إن العامل السوسيوتنموي المطلوب للعمل بدار المواطن في حاجة إلى الإلمام بالظروف التاريخية والاجتماعية للمجتمع الذي يعمل داخله إلى جانب الإدراك الجيد للأسس المنطقية التي تقوم عليها النظم الاجتماعية المختلفة .وأن يتفهم النظرية والتنفيذ الفعلي،وأن ينظر إلى المجتمع نظرة فاحصة ناقدة في ضوء الإثارة المباشرة التي تنعكس على وضعيات المستهدفين من عمل التعاون الوطني عامة ودار المواطن بالخصوص .ولهذا السبب يبنغي دراسة بعض المجتمعات دراسة مقارنة خاصة فيما يتصل بأساليب الرعاية الاجتماعية كما ينبغي أن يرى العامل السوسيوتنموي المشاكل الاجتماعية الحالية كجزء من عملية تاريخية ،وذلك من خلال المعرفة الجيدة بما يلي :
النظام السياسي:
ويعني الاستيعاب الجيد للبناء الدستوري للمغرب وشكل دولته و السلط صاحبة السيادة داخله والعلاقة البيئية التي تربطها وشكل الحكومة ونظام الجماعات المحلية والتنظيم القضائي والهيئات النيابية ونظم الانتخابات ونظم الجمعيات والاحزاب والنقابات وعلاقتها بأجهزة الدولة .
النظام القانوني:
ويجب من خلاله تمكن العمل السوسيوتنموي من رصد طبيعة التشريع وعلاقته بالأعراف والتقاليد والقيم السائدة ودور القانون في تنظيم العلاقات بين الأفراد والجماعات لتحقيق الصالح العام للمجتمع،ومدى القوة الملزمة لهذا القانون على كافة كل من توفرت فيه شروط انطباقه ،وللقانون أهمية بالغة سواء باعتباره أسلوبا من أساليب الضبط الاجتماعي ،أو كمرجع لصياغة القرارات وما يتصل بها من أنواع التدبير الخدماتي أو التعاقدي أو الجزائي سواء تعلق الأمر بالأمور القضائية مدنية كانت أم تجارية أم إدارية كانت أم جنائية أو بالأمور الإدارية في علاقة الإدارة بالمواطن أو سياسة في علاقة السلطات بعضها ببعض وخاصة ما يهم تنازع الاختصاصات.
وللقانون أهمية أخرى لابد للعامل السوسيوتنموي من دراستها وخاصة ما يتعلق بنظام الأسرة الزواج والطلاق والإرث والحضانة والنفقة والنسب ونظام الحالة المدنية والأهلية والولاية الشرعية والوصية والتكفل وكذا قوانين الأطفال المهملين أصحاب السلوكات الجانحة وقوانين أصحاب الاحتياجات الخاصة و قوانين الرعاية الاجتماعية للأيتام والمسنين .وقوانين التشرد والتسول والإهمال ...
بالإضافة إلى القوانين التنشئة للمؤسسات الاجتماعية عامة ومؤسسات الاجتماعية بالخصوص والقوانين المنظمة للتدبير المالي والإداري لها وكذا المراسيم التطبيقية لها وربط التشريعات العادية والفرعية بالسياسات الاجتماعية وكذا الدراسات العلمية التي تطالها .
الثقافة السياسية :
وتتجلى في امتلاك العامل السوسيوتنموي للمعرفة العلمية بالنظريات المتعلقة بموضوع الدولة وأغراضها والعلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة .والآراء المتداولة بشأن طبيعة الصالح العام والتقدم الاجتماعي ومفهوم السلطة والمسؤولية وحقوق الإنسان والحريات السياسية والمدنية والمساواة والعدل الاجتماعي .وهذا يجب التركيز عليه من خلال التعمق في دراسة الفلسفة الاجتماعية التي يقوم عليها العمل السوسيوتنموي.
الثقافة الاقتصادية :
يتطلب الأداء الجيد لدار المواطن إلمام العامل السوسيوتنموي بمجموعة من الموضوعات الأساسية لحياة المجتمع الاقتصادية ودراسة الجوانب الاقتصادية للسياسة الاجتماعية وخاصة ما يتصل بخدمات دار المواطن كمرفق عمومي منفتح على خدمات الحركة الجمعوية على قواعد الشراكة وكذا تنظيم ميزانية الأسرة ومستويات المعيشة والحياة الاجتماعية لجماعات ومجتمعات معينة.
ولما كان العامل السوسيوتنموي يشتغل في إطار الموارد الاقتصادية المحدودة فلا بد له من إدراك أن الاختيار هو أحد المشكلات الأساسية في الحياة الاقتصادية ويعود ذلك إلى أن الموارد المتوفرة أقل دائما من حاجات الإنسان وتطلعاته. ويرتبط هذا الموضوع بأخذ أهداف العمل السوسيوتنموي وهو مساعدة الأفراد على امتلاك الاقتدار والاستمتاع بأكبر مساحة من الحرية لتوسيع الشعور بالمسؤولية في ممارسة الاختيار .وهذا يحتاج إلى التثقيف التحدد في مجموعة من الموضوعات منها:
أ- طبيعة علم الاقتصاد ومجاله ،مشكلة الندرة ومسائل علم الاقتصاد الأساسية الأخرى بما فيها مسألة الطاقة ،والمشكلات الاجتماعية وأهمية ملاحظة الاتجاهات في الإنتاج والاستهلاك.
ب - الحياة الاقتصادية للمجتمع ،كيف تنتج الثروة الاقتصادية ،والموارد الطبيعية والقوة العاملة واستخدام الأساليب والمعدات الصناعية والتكنولوجية والبناء المتغير للزراعة والتجارة والصناعة والخدمات ،ومكانة الشغل والتشغيل في كل منها والتصنيع بما فيه الإنتاج الضخم،وتوزيع العمل وما يقابله من زراعة وحرف يدوية يقوم بها الفلاحون والمشكلات الاقتصادية للإنتاج والتسويق ،واستعمال النقود كوسيلة للتبادل وأنواع الدفع الأخرى وكيفية تحديد الأجور والأسعار ،والأجور الفعلية والأجور النقدية ،وفئات السكان العاملين والعمالة الجزئية والبطالة وشروط العمل مع الإشارة بنوع خاص إلى عمل النساء والأطفال ودور الحكومة والنقابات وأصحاب العمل في تحديد الأجور وشروط العمل.
ج - الدخل القومي : من ناحية جملة الإنتاج والنفقات وتوزيع الدخل القومي بين الفئات الاجتماعية المختلفة في المجتمع ،ونسبة الاعتمادات المخصصة للعمل السوسيوتنموي من الميزانية العامة ،ومشكلات تحديد الأولويات وعلاقتها بالموارد المحدودة وتوقيتها وتوازنها بحيث تؤدي إلى أقصى إنتاج اقتصادي واجتماعي ممكن والاستثمار العام والمدخرات وتخطيط ميزانية الأسرة وطرق الإنفاق خاصة بالنسبة للغداء والسكنى و الكساء والترويح بين الفئات الاجتماعية ودراسة مستوى الفقر وخاصة حالة الكفاف والأسباب التي تؤدي إلى الفقر ومقاييس تحديد مستويات المعيشة والوسائل المتبعة لرفع مستوى المعيشة وفاعليتها والمشكلات التي تسببها بعض العوامل كالموارد الطبيعية المحدودة وعدم توفر رأس المال اللازم للاستثمارات وتفشي الأمية والخصومة مع التعلم والفقر التكنولوجي .
د - مشكلات التحضر: ويهم هذا الجانب الهجرة من البوادي إلى الحضر ،وأسبابها و وسائل المواصلات والسكن والإجراءات الصحية والظروف العامة للمعيشة والعمل ومعدل نمو المدن ومشكلات الانتقال من المجتمع الصغير والأسرة الكبيرة والنظام القبلي إلى المجتمعات الحضرية التي تتسع فيها فرص العمالة والأسرة النووية والعلاقة الثانوية.
ه - الاتجاهات السكانية : ويتعلق بدراسة السكان من حيث الحجم والكثافة واتجاهات السكان وعلاقتها بالدخل القومي ومستوى الإنتاج والخصوبة ومعدل التوالد ومعدل الوفيات بين الأطفال ومعدل الوفيات بين السكان والعوامل المؤثرة في متوسط الأعمار وتوزيع السكان حسب السن والجنس والمهن والتوزيع حسب المستوى الجغرافي ،وعلاقة ذلك بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تترتب على النمو الديموغرافي السريع.
واعتبارا لما للعلوم الاجتماعية من أهمية كبرى في تكوين وتأهيل العامل السوسيوتنموي بوصفها الوسيلة الأساسية التي يعتمدها في رصد المؤثرات الاجتماعية من حيث التأثير على سلوك الفرد وسلوك الجماعة وكذا بالنسبة لاهتمامه بالمكونات الثقافية للتصرفات الأسرية وقواعد السلوك الاجتماعي المقبولة والأدوار التي يقوم بها الأفراد داخل الأسرة والمجتمع، ومن ضمنها نزاعات الزوجين نحو بعضهما البعض ونحو الأبناء، ولا يعتبر هذا الجانب ضروريا للتشخيص الاجتماعي وصياغة مقاربة للعلاج التي يسلكها العامل السوسيوتنموي فقط بل ينبغي أن يدرك هذا الأخير أنه يمكن أن يكون تمت اختلاف بين العاملين السوسيوتنمويين وآرائهم الثقافية وبين قيم وآراء المستهدفين من التدخلات السوسيوتنموية لدار المواطن.
والغرض من الدراسة المتجددة لهذا الحقل المعرفي هو التطوير المتواصل للأساليب التي يعتمدها العامل السوسيوتنموي في رصد وتطوير التفاعل الاجتماعي المؤلف لحياة المجتمع ولبنائه الاجتماعي وللعمليات الاجتماعية السائدة في المجتمع، وعليه فالعامل في حاجة ماسة إلى دراسة عملية المكونات الاجتماعية لسلوك الفرد وبالطريقة التي توجه بها الدوافع الأساسية وطريقة التعبير عنها وبالحاجات الأساسية التي تفرضها بيئة ثقافية معينة وتحليل القيم التي تفرضها الثقافة وأساليب المعيشة ودورها في تحقيق النمو السليم للفرد وقيامه بوظائفه أو عرقلة هذا النمو وتعطيله.
ويستدعي إلمام العامل السوسيوتنموي للعلاقات الجماعية والتي تبدأ بجماعة الأسرة والعمليات الدينامية السائدة في علاقات الجماعة المتشابكة والتي تعتبر جانبا هاما من خبرة حياة الفرد وتتمثل في جوهرها دراسة عمليات التكيف الاجتماعي.
فالمجتمع يفرض على الفرد أنماطا معينة للسلوك ولذلك ينبغي أن يلم العامل السوسيوتنموي بالطرق التي يستجيب بها الفرد للمتوقع منه من سلوك وكيفية استجابته للقيم والمعايير وطريقة استجابته للقيم والنظم والسلطات وكيف يكتسب دورا محددا في الجماعة التي يعيش فيها وكيف يتخلى الناس عن بعض أساليب الحياة القديمة ويمارسون طرقا جديدة. إذ من الضروري مساعدتهم على تقبل التغيير والتغلب على مظاهر الصراع وسوء التكيف.
وتساعد المعرفة الانطربولوجية الاجتماعية العامل السوسيوتنموي على دراسة المجتمع والنظم الاجتماعية وتحليل العلاقة القائمة بين الناس داخل ذلك المجتمع. وتفيد الانطربولوجية الحديثة في هذا الصدد تفهم العادات والتقاليد وأنماط السلوك وتصرفات الناس وأهدافهم في الحياة اليومية ثم تتخذ منها العناصر الأولية التي ينبغي عليها تحليل العلاقات الاجتماعية التي تتبلور في ما يسمى بالنظم الاجتماعية وما إلى ذلك. والأنطربولوجية كعلم يهدف إلى معرفة وظيفة الظاهر أي الدور الذي تؤديه تلك الظاهرة أو ذلك النظام في البناء الاجتماعي. كما تهتم بدراسة أشكال التجمعات الإنسانية التي يمكن أن نجدها عند الإنسان.
ويستفيد العامل السوسيوتنموي من خلال استثماره للأنطربولوجية الاجتماعية في دراسة البناء الاجتماعي أي العلاقات الاجتماعية القائمة بين شخص وآخر وعلى سبيل المثال يتكون بناء القرابة في أي مجتمع من عدد العلاقات الثنائية كالعلاقة بين الأب والإبن ويشمل البناء الاجتماعي أيضا تمايز الأفراد وعلاقة البناء الطبقي للمجتمع بالمهنة والدخل والتعليم والمركز الاجتماعي والأدوار المختلفة بين الرجال والنساء وبين الرؤساء والمرؤوسين وأرباب العمل والعمال.
أما من حيث مفهوم الثقافة، فإن الانطربولوجية تساعد العامل السوسيوتنموي على دراسة الجماعات الثقافية في مجتمع معين واتجاهاتها المختلفة والمعايير الخاصة بخبرات الحياة الأساسية كما تعبر عنها في مواقف ثقافية محددة وأساليب السلوك وعلاقات الأدوار بعضها ببعض، ويمكن دراسة ميل الجماعات نحو تكوين عادات مختلفة واتجاهات وأدوار ثابتة وهذا يرتبط بفهم التغيير الاجتماعي سواء كان مخططا أو غير مخطط مرغوبا فيه أو موضوع مقاومة كما يفيد هذا المجال في رصد حقيقة المشكلة الناشئة عن التخلف والصراع الثقافيين. وتعتبر معرفة الاتجاهات وطرق تغيرها من أهم الحاجات المهنية التي يحتاج إليها العامل السوسيوتنموي لأن جانبا كبيرا من مهاراته يوجه نحو مساعدة الأفراد والجماعات والمجتمع في تغيير الاتجاهات التي تعوق حرية اختياراتهم وتكوين التصورات الايجابية نحو ذواتهم. وفي نفس الإطار، يحتاج العامل السوسيوتنموي إلى الإلمام بدينامية الجماعات وهي معرفة تهم طبيعة الجماعة وأهميتها بالنسبة للفرد وكيف أن الجماعة سابقة عن وجود الفرد وأنها المهد الذي تتكون فيه الشخصية الإنسانية، وتعتبر العضوية في الجماعة ضرورية للنمو الفردي وتوطيد أركان الصحة النفسية لدى المرء لاعتبار الجماعة هي الأداة الأساسية في إشباع حاجات الفرد خلال العلاقات المتبادلة التي تحقق الشعور بالانتماء والأمن والتقدير.
ويحتوي تحليل الجماعة دراسة الدوافع التي تجعل الأفراد يقبلون على تكوين الجماعات والأغراض التي تسعى إليها الجماعات المختلفة والتاريخ الطبيعي للجماعة والعلاقات بين أعضائها وكذلك العلاقات بين مختلف الجماعات وتشمل أيضا عمليات التماسك وتفكك داخل الجماعة والعوامل التي تؤدي إلى تكوين جماعات فرعية والأدوار المتغيرة التي تقوم بها القيادة وعمليات الاتفاق والصراع وعلاقتها بحياة الجماعة وتقدمها.
وتشما دراسة المجتمع أيضا مظاهر التماسك والتفكك الاجتماعي ويستلزم ذلك التعرف على الجماعات التي تعاني من مشكلات معينة وتمت صعوبات كبيرة لتحديد العوامل المتغيرة التي يمكن أن تعتبر معايير يستطيع العامل السوسيوتنموي بواسطتها تقييم مستوى الصحة النفسية بكل أبعادها الروحية الجسدية النفسية والاجتماعية ومستوى جهود الرعاية التي تطالها ونوع الأمراض النفسية والاجتماعية التي تعانيها والعمل على تحويل المعطيات من النوع إلى الكم، وقد تكون المعطيات انعكاسا لواقع قيمي وثقافي معين، مما يفرض على العامل السوسيوتنموي المتخصص الاعتقاد باستمرار باختلاف المعطيات وعناصر التقييم التي تختلف من شخص إلى آخر ومن زمان إلى زمان ومن مجتمع إلى آخر.
ولعل من عناصر التقييم الواجب الاستئناس بها:
الحريات العامة
الصحة النفسية
الظروف والأحوال السكانية
الغذاء والتغذية
التعليم والتعلم
التشغيل وظروف العمل
الضمان الاجتماعي
القدرة الشرائية
السكن والتنقل
البحث الاجتماعي:
يحتاج العامل السوسيوتنموي إلى التمرس الفعال على تقنيات البحث الاجتماعي بشكل متجدد بتوازي مع تكوينه الذاتي والمهني وأداته الميدانية بشكل متكافئ فهو في حاجة إلى الإلمام بالمنهج الأخصائي واستخدامه بطريقة ملائمة والتمرس على إعداد واستعمال أدواته المنهجية وتوظيفها في صياغة المقاربات التدخلية وصناعة الاستراتيجيات المتعلقة بتوظيف دار المواطن في إنماء وتأهيل محيطها السوسيوتنموي.
والغرض من البحث الاجتماعي هو التعرف العلمي على المشكلات الإنسانية وأسبابها ونتائجها واكتشاف أساليب معالجتها والحد من انتشارها عبر مناهج وبرامج متخصصة وناجعة.
والبحث الاجتماعي في تدبير العمل السوسيوتنموي بدار المواطن ضرورة ووظيفة مجتمعية ملحة داخل مجتمع متغير فهو الأداة السليمة التي تمكن العامل السوسيوتنموي من صناعة الاستراتيجيات المستقبلية والبرامج الاستباقية لتحسين أحوال الظواهر والسلوكات الإنسانية بالتركيز على تقوية الأفراد والجماعات وتقويتهم على التمتع بالحرية وتحمل المسؤولية والمشاركة الفعلية قي تدبير الحياة بمشاريع شخصية مندمجة في محيطها وناشدة لتطوره.
الإدارة:
تمكن الإدارة الجيدة العامل السوسيوتنموي من تدبير المؤسسة سواء من حيث بنائها أو وظيفتها أو برنامج عمل بها وما تقدمه من خدمات جيدة أو تحسين الخدمات القائمة.
وترتبط الإدارة الجيدة بدينامية الجماعة وتفاعلها كما يبدو ذلك في العمل الذي يقوم به الموظف داخل مؤسسة الرعاية الاجتماعية وفي العلاقة بين المؤسسات الأخرى.
فالإدارة الجيدة للمؤسسة السوسيوتنموية هي التي تستطيع ترجمة الحقوق السوسيوتنموية الواردة بالتشريعات الوطنية والدولية بالإضافة إلى الشرائع السماوية إلى خدمات فعلية ومزايا دينامية لصالح الإنسانية. فالغاية من دار المواطن كمؤسسة سوسيوتنموية هي ترقية الناس روحيا وجسديا ونفسيا واجتماعيا واقتصاديا إلى أقصى الكفاءات الممكنة، وعليه يجب تسمية إدارتها بمهندس العاقات الإنسانية.
وهذه الإدارة لا تقتصر من حيث المهارات على ما هو اجتماعي صرف ذلك لأنها امتداد للإدارة العامة سواء من حيث إدارة الأعمال أو تدبير الموارد البشرية والزمانية والمالية إلا أن الأهداف السوسيوتنموية تعتبر ميزة تتميز بها إدارة دار المواطن عن إدارة المشروعات التجارية والصناعية عن غيرها من الإدارات التي لا تتعامل مباشرة مع البشر.
ويجب أن تتضمن الإدارة استخدام المعارف والمهارات المهنية التي تختلف عن المعارف والمهارات المطلوبة في إدارة الأعمال أو في إدارة المدارس أو في إدارة الضرائب.
ومن أهم وظائف إدارة المؤسسة السوسيوتنموية رسمية كانت أم جمعوية الكشف عن الحقائق وتحليل الظروف والخدمات اللازمة لإشباع الحاجات الإنسانية، واتخاذ القرارات المناسبة للوصول إلى هذا الغرض تم تخطيط وتوزيع الموارد وإعداد البناءات التنظيمية وشروط الاشتغال وتوفير الموارد اللازمة للمؤسسة والإشراف على الأداء ومراقبته وتوفير الموارد المالية وصيانة سلامتها.
ويتوقف جمع المعطيات على مناهج وبرامج دار المواطن والأهداف التي تتوقف بدورها على الموقع الجغرافي للدار إذا كانت قروية أو حضرية وإذا كانت مديرة بشكل مباشر من لدن إدارة التعاون الوطني أو بشراكة مع الحركة الجمعوية أو المجلس الجماعي.
ويتطلب الكشف عن المعطيات دراسة الظروف الاجتماعية والتنموية ومستويات التفاعل والتواصل والتضامن والتعاون بين الأفراد والفئات المتواجدة داخل المجتمع المحلي لدار المواطن وهي التي تفرض على دار المواطن تخطيط جسور التفاعل والتواصل والتضامن قبل تخطيط الخدمات الواجب توفيرها لكل شرائح مجتمعها المحلي بترتيب الاحتياجات حسب الأولوية. أما من حيث التعامل مع المشاكل الاجتماعية والتنموية وصعوبات التفاعل والتواصل والتضامن والتعاون مع كل شرائح وفئات محيط دار المواطن فيستدعي تمكن إدارة هذه المؤسسة من تقدير نوع وحجم الخدمات المطلوبة وتقييم اتجاهات المستقبل على أساس البيانات الإحصائية التي تتوفر عن الخبرات السابقة.
وبعد التشخيص الذي يجب أن تقوم به إدارة دار المواطن للواقع التفاعلي والتواصلي وتحديد نوعية الخدمات المطلوبة ينبغي صياغة الإطارات الإجرائية أي طريقة العمل وفق الموارد البشرية والزمانية والمادية المتوفرة وتقرر أفضل الطرق لاستخدام هذه الموارد. ويجب أن يقوم عمل دار المواطن على تخطيط يقوم على المشاركة في التفكير وتحديد الأولويات وصياغة الاختيارات للتوصل إلى تحديد أفضل الطرق لتحقيق أغراض دار المواطن وتعميق رؤيتها وتطوير رسالتها في إشباع حاجات الأفراد والجماعات والمجتمع المتغير.
ومن شأن صياغة البناء التنظيمي لدار المواطن وتحديد اختصاصات العاملين السوسيوتنمويين بها وكذا هيكلة تواصلها مع دور المواطن المتواجدة على مستوى العمالة أو الإقليم وعلى صعيد الجهة وصولا إلى المستوى الوطني قصد رصد التجارب والخبرات واستثمار البحث العلمي في تطوير الأداء بالإضافة إلى صياغة تنظيم يتسع لاحتضان وتفعيل أسباب التفاعل الايجابي والتواصل الفعال والتضامن الاجتماعي والتعاون المواطن بين كل المغاربة.
إلا أن التدبير اليومي لدار المواطن وهي في بداياتها تحتاج إلى المزيد من بدل الجهود بشأن التوظيف والتعيين داخل هذه المؤسسة وتحفيز العاملين بها سواء من حيث الترقيات أو من حيث الأجور أو من حيث دعم الحصول على سكن قريب من المؤسسة وشروط الاشتغال أو من حيث التقييم العادل لانجازات الموظفين الذي يعتبر من الأمور الضرورية لضمان كفاءة الخدمة وسلامة الروح المعنوية بالإضافة إلى التحفيز على التكوين الذاتي والتكوين النظامي والبحث العلمي.
ويجب أن تحتوي إدارة هذه المؤسسة على مجموعة من آليات الضبط والمراقبة والتقييم وتطوير الأداء ذات طابع مركزي وجهوي وذاتي بسمح بتطوير استراتيجيات دار المواطن كفضاء سوسيوتنموي يسعى إلى توظيف الطاقات العلمية والفكرية والتقنية والإدارية والقانونية في تقوية ثقافة التضامن والإخاء والعدالة بين أفراد وجماعات المجتمع المغربي.
ولتقوية أواصر الثقة بين دار المواطن وكل شرائح محيطها المحلي لابد من تشفيف مقدراتها المالية من حيث المصادر وأغراض الصرف، وأساليب التدبير وعدالتها فإمساك الدفاتر المالية والتدقيق في تسجيل الأنشطة والمهمات التي تنجزها المؤسسة وتقديم تحليل دقيق للميزانية التي ينبغي تقديمها لمجلس التسيير بدار المواطن ثم لإدارة التعاون الوطني وهذا يتوقف على تحديد وتدبير الموارد اللازمة لدار المواطن على طبيعتها وبنائها، سواء بالنسبة للمؤسسات المديرة مباشرة أو المدارة بشراكة مع القطاع الجمعوي والجماعات المنتخبة.
التدريب الميداني:
ومن المسلم به أن العامل السوسيوتنموي يعمل على تغيير الأفراد والجماعات والمجتمع وبدل الجهد العلمي والمهني لبعث الطاقات الخلاقة الكامنة لدى الأفراد والجماعات والمجتمع ،وأن يشتعل العامل السوسيوتنموي في مواقف الأزمات وما يحدث من استجابات من جانب الأشخاص والجماعات في مواقف يشتد فيها الضيق والتوتر والصراع .ومن تم يكون المحور الأساسي هو ربط المواد التأسيسية بالمواد المهنية ومع ذلك فلا يمكن أن يعتبر هذا الغرض ملائما إلا للدور الذي يؤديه العمل السوسيوتنموي في حالات الاضطراب الانفعالي أو المادي أو ألعلائقي الذي يؤدي إلا الارتباك والسلبية والعجز في مواجهة المواقف الضائقة . كما أن هذا الوصف لا يمكن أن ينطبق على الأهداف الإيجابية التي ترمي إليها دار المواطن كفضاء سوسيوتنموي ينشط ويأهل التفاعل الاجتماعي والتواصل والتضامن بين الفئات والشرائح المجتمعية وتعاونها على الانطلاق واكتشاف إمكانية العمل والتقدم والنمو النفسي والاجتماعي المتوازي.
وإذا كان العمل الاجتماعي في حقب تاريخية ينحصر في الإحسان والرعاية الموجهة للفئات المعوزة فإن العمل السوسيوتنموي يهتم بمظاهر سوء التكيف الاجتماعي وسوء الأداء الوظيفي وسوء التفاعل وانحراف التواصل وتلاشي أواصر التضامن وضعف مستوى التعاون بين أبناء المجتمع المغربي بكل فئاته وشرائحه وما يعانيه من استبعاد اجتماعي . فسوء التكيف غالبا ما يرجع إلى عدم وجود علاقات اجتماعية إيجابية بين الأفراد داخل الأسرة أو داخل المدرسة أو في الحي السكني أو بمقر العمل أو في الشارع.
وعدم وجود علاقة بين الفقراء والأغنياء جراء هيمنة نزعة التملك واضمحلال قيم الكينونة ،وهو ما يفرض اعتماد المقاربة السوسيوتنموية لتجاوز القصور والتخلف اعتمادا على استثمار القدرات الذاتية في إشباع الحاجات ونسج العلاقات بالإضافة إلى المصالحة مع الذات بكل مفاهيمها الواقعية والمثالية و الشخص الآخر.
وعليه فإن عمل دار المواطن يجب أن يركز على التفكير بالإنسانية والعمل المنتج دخل المحيط ثم يجب أن يشكل ذلك المتصل الذي يوجد في أحد
عبد الله أبوأياد العلوي أستاذ بالمعهد الملكي لتكوين الأطر/ الرباط
إن القراءة المتأنية للأداء المؤسساتي المتخصص في التنمية البشرية ،بغرض التقييم والإسهام في صياغات إستراتيجية تبرمج بمناهج استياقية يوظف عبرها الحاضر في تأمين المستقبل ، غالبا ما تطرح على الباحث والمهني المتخصص بالإضافة إلى المقرر السياسي مجموعة من التحديات منها :امتلاك منظور مستقبلي بعيد المدى.قد يتراوح ما بين عشر سنوات و خمسة عشر سنة ،ولكنه يتجدد باستمرار ثم رصد العوامل المؤثرة في وضع المؤسسة وأدائها داخليا وخارجيا.
فدار المواطن كمؤسسة سوسيو تنموية تنشد تمكين الثروة البشرية الوطنية من المهارات الحياتية بالإضافة إلى دعم اقتداراتها المعرفية وثقافتها الإنجازية ودعم صحتها النفسية وتحصينها ضد كل إحساس بالاستبعاد الاجتماعي أو الشعور بعدم الانتماء أو ضعف التقدير وعدم القدرة على تحقيق الذات ،ليست معزولة عن حركة الواقع وتحديات المستقبل . وهذا يعني بأنها فضاء دائم التغيير والحركة يصعب سجنه داخل أسلوب جامد أو برنامج نمطي،وهذا يستدعي العمل على إعادة التفكير بشأن المؤسسة السوسيوتنموية عامة ومن ضمنها دار المواطن من أجل أداء يتوافق ويستجيب لمتطلبات التغيير المتأصل أو الطارئ أو المتوقع في البيئة الخارجية الحاضنة للمؤسسة .وذلك بالتركيز على الأداء وكيفياته ومستوياته واتجاهاته.وليس في البيئة الداخلية للفضاء واستبدالها ببيئة أخرى.
وذلك يتبنى أداة تنظيمية متوازنة في اعتماداتها التدبيرية بين التمركز الشديد واللامركزية المفرطة ،أو ما يسميه بعض الباحثين strategy of edge بحافة الفوضى وهو تنظيم وسط بين البيروقراطية والفوضوية أو إستراتيجية الحافة والذي يعني بأن المؤسسة قادرة على استيعاب التغيير ومواكبته باستمرار بناء على موقوفها بشكل متوازن يبين الجهود البيروقراطية والوضع الفوضوي
فدار المواطن ليست تكرارا لفضاء المدرسة ولا نسخة منقحة من دار الشباب كما أنها ليست بمركز للتربية والتكوين أو مؤسسة خيرية ولكن يمكن من خلال الاختصاصات الموكلة لها بمقتضى المادة الثانية من مقرر السيد مدير التعاون الوطني رقم 000637 بتاريخ 17 يونيو 2005 والخاص بأحداث دار المواطن بأنها مركز للإنصات والتوجيه والتضامن ،ودار للتوعية والتربية على المواطنة، وفضاء للتأهيل والإدماج الاجتماعي، وبصفة عامة هي مؤسسة لكل الخدمات الاجتماعية المتوجهة نحو الفرد أو الجماعة أو المجتمع.
فهذه المؤسسة تشتغل مع أشخاص غير متجانسين وفي ظل حقائق بينية اجتماعية واقتصادية وثقافية مختلفة ،ولتقديم خدمة اجتماعية متوازنة ينبغي إلمام العامل السوسيوتنموي بمجموعة من القدرات المعرفية والثقافية الإنجازية منها ما يتعلق بدراسة الإنسان ،ومنها ما يهم دراسة المجتمع ،وكذا العلاقة المتبادلة بين الفرد والمجتمع.
أولا: العمل مع الإنسان
فعلى مستوى الإنسان يجب الإلمام بالجوانب المختلفة من حياته الجسمية والنفسية والاجتماعية .ففي هذا الجانب تؤكد العديد من الأبحاث على وجوب تركيز العمل السوسيوتنموي على وحدة الفرد واستمرار نموه وتأمين ايجابية تفاعله المستمر مع بيئته الاجتماعية والثقافية . وعليه يصعب علينا النجاح في تمكين المواطن من الانخراط في جهود التضامن والتنمية التي تسعى دار المواطن لتحقيقها في غياب إدراك سليم لشخصية المستهدفين باعتبارهم كائنات أكبر من مجموع الأجزاء المكونة لها ،والقيام بتحليل الأجزاء من ناحية علاقة كل منها بالجزء الآخر،وهي العلاقة التي تؤلف المرء في مجموعة ثم لابد من إدراك أن الأفراد قد يتشابهون في بعض الخصائص ويختلفون في البعض الآخر،وأن كل شخص في النهاية هو فرد متميز عن غيره من الأفراد .ويحتاج العامل بدار المواطن أيضا إلى مساعدة في إجراء التصنيف والتعميم عن طريق دراسة ملف الشخصي للفرد والذي يجب أن يشكل قاعدة معطيات ترتكز على المكونات الشخصية والسلوكية والبيئية ،وهذا أمر ضروري لتكوين معايير يمكن في ضوئها اعتبار استجابة معينة أو سلوك معين عاديا كان أم شاذا بحسب درجة النضج الجسمي والنمو النفسي للشخص من حيث عمره وبيئته الاجتماعية والثقافية.
ومن المفاهيم الأساسية في دراسة سلوك الكائن البشري ما يتصل بمرونة الفرد ونزوعه نحو تحقيق التكيف الشخصي والاجتماعي ،وهذا المفهوم يقترب من عملية ميل الجسم نحو بلوغ حالة من التوازن العضوي والكيمائي .فإذا زادت حرارة الجسم مثلا عن حد معين تصبب العرق بطريقة آلية تؤدي إلى ترطيب الجسم لكي تنخفض درجة الحرارة ويعود الجسم إلى حالة من التعادل وسعيه في استعادة هذه الحالة إذا تعرضت لتهديد من الخارج أو الداخل. وهي تمثل من زاوية التحليل النفسي نشاط الأنا والأنا الأعلى للمحافظة على التوازن النفسي ،وتنظيم الدوافع واستخدامها في توجيه الفرد إلى مطالب الواقع الخارجي والدوافع اللاشعورية .وإذا نظرنا إلى فكرة مرونة التكيف الإنساني نجد أنها تخضع لما لدى الفرد من قدرات موروثة والطريقة التي تنبح في تكوينه الاجتماعية وكيفية استجابته للضغوط التي تفرضها البيئة وما يكتسبه أو ما يحرم منه في مراحل نموه.
وبالنسبة للنمو الجسمي ينبغي أن يعلم العامل السوسيوتنموي بدار المواطن بقوانين الوراثة وبالمشكلات الخاصة بالأثر النسبي لكل من الوراثة والبيئة في تشكيل شخصية الفرد.وأن يتعلم شيئا عن الفروق الجسمية بين الجنسين وعمليات العمل ونمو الجنين والولادة .والنمو الجسمي للرضيع وإدراك خصوصيات النمو خلال مرحلة الطفولة المبكرة بكل أبعادها الجسمية والنفسية والعقلية والحسية والحركية ،ثم أهمية النمو بالنسبة للأطفال والمراهقين والشباب والكهول والمسنين.ولا ينبغي أن تنفصل هذه الموضوعات من الناحية النفسية والاجتماعية لأن لكل مرحلة خصائصها الجسمية والنفسية والاجتماعية التي ترتبط بها كما تنشأ عنها حاجات خاصة .فمن المستحيل مثلا دراسة تغذية الرضيع دراسة مادية خالصة دون الإشارة إلى الرضاعة الطبيعية من أهمية انفعالية في حياة كل من الأم والطفل ومساهمتهما في تحقيق سلامة الصحة النفسية للمرء. وكذلك تفقد التطورات الفسيولوجية التي تجعل الطفل قادرا على المشي ثم على الكلام كل أهميتها إلا إذا درست من حيث علاقتها برؤية العالم والبيئة الاجتماعية من جديد ،وهي الرؤية التي تتيحها حركة الطفل من مكان إلى أخر وكذلك من حيث علاقتها بالأهمية الجوهرية للغة باعتبارها الوسيلة الأولى للاتصال بين الأشخاص وتأسيس للثقافة.
وكذلك ينبغي دراسة النمو الجسمي والنفسي للطفل،وهذا النمو هو الذي يسمح للطفل بالانتقال من الجماعة الأولية (الأسرة) إلى الجماعات الأخرى (رياضة الأطفال - جماعات اللعب - جماعات المدرسة...) وذلك من ناحية أهميتها النفسية والاجتماعية في نمو الطفل وطبيعة الخبرة الأسرية التي تسهل له الانتقال أو تعرقله .والتي تؤكد فيه الثقة بالنفس أو التي تملؤه بالخوف وتدفعه نحو الانكماش.
فقيام العامل السوسيوتنموي بدراسة التغيرات السيكولوجية التي تحدث في سن المراهقة والتي تصاحب عملية النضج الجسمي والعقلي السريعة التي تميز مرحلة المراهقة وعلاقتها بتدفق المشاعر وشدة الدافع الجنسي .وكذا إلمامه بالأساليب التي تتيحها الثقافات السائدة في المجتمعات المختلفة الانتقال إلى عالم الكبار أو تعوقه.وذلك بالتركيز على دراسة خصائص النضج الجسمي ،والزواج ،والحمل،وأطوار الحياة المحفوفة بالمخاطر الصحية .بالإضافة إلى التمكن من الدراسة التطورية للطبيعة الجسمية للمرء من خلال الإطلاع العلمي على التركيب الكيميائي للجسم البشري بكل أجهزته ووظائفه.
وهي دراية لابد من التكوين من أجلها كضرورة لمعرفة العلاقة بين حاجات الجسم والبيئة الطبيعية والاجتماعية التي يعيش فيها الإنسان.ومن تم يعتبر الغذاء من الموضوعات الأساسية لارتباطه بحاجيات الفرد الجسمية ،وكذا أهميته النفسية كرمز للعطاء لإشباع حاجات أساسية ( الحاجة إلى الأمن ) وأهمية اجتماعية كما تبدو في العادات والتقاليد المختلفة الخاصة بالغذاء وارتباطه بالمناسبات الاجتماعية في مختلف الثقافات. ويجب ألا تنحصر معرفة العامل السوسيوتنموي عند هذا الحد ،بل لا بد من ضبط طرق إنتاج الغذاء وتوزيعه ومكانته في المستويات المعيشية للأسرة وارتباطه بمدى قدرات التخطيط والعمل التدخلي في الساهمة في ضمان موارد الغذاء الأساسية للمحافظة على الصحة وخاصة لدى الأم الحامل والمرضعة وتغذية الرضع والأطفال في سن التمدرس ،حيث توجد علاقة بين حاجيات الجسم وطرق إشباعها في بيئة معينة وبين العادات الاجتماعية والسياسية والخدمات السوسيوتنموية واقتصاديات الإنتاج والتوزيع والتربية والثقافة والرياضة والوقت.
كما أنه من الواجب على العامل السوسيوتنموي التسلح المعرفي والمهني في التعامل مع أصحاب الحاجات الخاصة وذلك بالتركيز على إدراك اثر العوائق والأمراض والإصابات في قيام الجسم بوظائفه الطبيعية وتصنيف تلك العوائق إلى ما هو طبيعي ناتج عن الولادة ،وما هو ناتج عن المرض من أمراض الربو و الدرن و أمراض الجهاز التنفسي .وكذا الأمراض الناتجة عن الجهاز العصبي المركزي كالشلل والصرع وأمراض القلب والشرايين وأمراض الجهاز الهضمي .ثم الأمراض المعدية مثل الايدز ،والأمراض التناسلية والسرطان ،والأمراض الطفيلية ،والأمراض الجلدية .بالإضافة إلى الجهاز الغددي وما للغدد من أدوار هامة في مختلف مراحل الحياة وعلاقتها بالانفعالات والآثار الحسية الناتجة عن تعطل وظائف الغدد.وأخيرا رصد العجز الناتج عن الحوادث والإصابات.
فللتمكن من الأداء السوسيوتنموي الجيد لدار المواطن لابد للعامل بها سواء كان مستخدما تابعا لإدارة التعاون الوطني أو مستعارا من الجماعات المحلية أو من إدارة عمومية تابعة للدولة أو متطوعا جمعويا من أجل التنمية أن يلم بأعراض الأمراض وأسبابها سواء كانت الحالة قابلة للشفاء أو مستعصية أو من الحالات التي يمكن تثبيتها ،كما يجب عليه التعرف على المضمون الانفعالي في كل مرض وخاصة الحالات السيكوسماتية التي يكون فهم المضمون الانفعالي فيها ضروريا لفهم أصل الحالة وعلاجها.
وحيث أن هم العامل السوسيوتنموي هو مساعدة الناس عندما تواجههم أزمات أو مشكلات تسبب لهم توترات في معيشتهم الحياتية وتقديم العون والمساندة من أجل تحقيق التكيف الإيجابي والتمكن من تدبير أحوالهم ومواجهتهم الصعوبات بشكل سليم فإن وظيفة هذا العمل السوسيوتنموي لا ترتكز على المرض نفسه بقدر ما تركز على نتائج المرض والآثار الشخصية والأسرية والاجتماعية التي تترتب عليه.ومن هنا يتبين بأن حاجة العامل السوسيوتنموي إلى معرفة الفرق بين الأمراض الحادة والمزمنة ومصادرها وهو أمر يعود إلى اختلاف مواقف المرضى وأسرهم من المرضى وكذلك إلى أثر نوع المرض في طريقة عيش المريض والأعباء المادية التي يتحملها المريض وأسرته لتسديد تكاليف الفحص والعلاج والتحاليل..
و المطلوب من زاوية أخرى قيام العامل السوسيوتنموي إدراك ما يشعر به الآباء الذين ينجبون أطفالا ضعاف الأجسام أو ضعاف العقول ويعانون من مرض مزمن أو من مرض فقدان الإحساس بالألم ..من نقص وإحساس بالذنب وأن يتفهم الأساليب التي يعبرون بها عن تلك المشاعر من نبذ وإعراض أو عدوان ،أو تعلق زائد عن الحد أو إسراف في القلق.
وعلى العامل السوسيوتنموي أيضا واجب التفهم العلمي لعالم المكفوفين المظلم وعالم الصم الصامت ولو أنهما عالمان مختلفان ،إلا أن كل منهما يمثل عالما من الوحدة والعزلة ،وأنهم يحتاجون إلى الجهد الكبير للخروج من تلك العزلة وأخذ المكانة المناسبة في جماعة الأسرة في الحياة الاجتماعية العامة ،مع الحرص على إدراك العامل السوسيوتنموي للآثار التي تترتب على العاهات في الأشخاص أنفسهم إذ أنهم يشعرون بالنقص ،وبأنهم مختلفون ومنعزلون وأنهم موضع رثاء المحيطين بهم.
وعلى العامل السوسيوتنموي فهم ما يبدو على المريض من نكوص وما يطلبه من طلبات متطرفة ،ورصد حاجته إلى العطف والسلوى ومساعدته للتغلب على الخوف والقلق والانزواء والحزن.
ويجب إلا ينحصر الأمر في الدراية بالأمراض والعاهات وما يرتبط بهما من حالة انفعالية تؤثر في المريض وأسرته فحسب،بل عليه أن يدرس ما يتصل بالمريض من آثار اجتماعية وأن يخطط على إثر ذلك عمليات التدخل الطبي التطوعي في إطار الشراكة بين دار المواطن و المنظمات غير الحكومية الوطنية والأجنبية .وكذا استثمار شراكات التعاون الوطني مع الأجهزة الرسمية و التطوعية الوطنية والدولية لصياغة برامج سنوية للرعاية والتوعية والعلاج الصحي مثل تنظيم حملات للطب العام أربع مرات في السنة لكل تخصص لفائدة المحيط السكني لدار المواطن .أما بالنسبة لأهمية النمو النفسي والسلوك الإنساني الواجب الحرص على انتعاشه من لدن العامل السوسيوتنموي داخل دار المواطن ،فهو جانب هام في رسالة هذه الدار حيث يدور الاهتمام حول النمو الانفعالي والنمو العقلي .وينبغي الإشارة هنا إلى أنه بالرغم من عمومية الحاجات والدوافع الإنسانية العامة إلا أنها تظهر في أشكال مختلفة في الثقافات المتباينة .والفكرة الأساسية في ذلك هو الدور الحيوي الذي تلعبه الأسرة كجماعة اجتماعية أولية تقوم على أساس بيولوجي في تكوين الصغار وتشكيلهم واعتمادهم على الأبوين لمدة طويلة لإعالتهم بالمقارنة مع سرعة نضج صغار الحيوان .وينبغي للعامل السوسيوتنموي الإلمام العميق بحاجيات الطفل النفسية واعتماده على أمه لإشباع حاجاته المادية والنفسية وتأثير ذلك في صحته النفسية .ويبدو ذلك حالة نمو الطفل بصورة طبيعية بالمقارنة بالنتائج المدمرة التي تصيب حياة الطفل في حالة حرمانه .هذا ولا تشكل علاقات الطفل بأبويه وأقاربه المباشرين حاجاته الأساسية فحسب بل تساهم كذلك في الأنماط الأسرية والمسؤوليات المقبولة في مختلف الثقافات في تنشئته الاجتماعية.
فلا بد من تمكن العامل السوسيوتنموي من الطرق التي يبدأ بها الطفل في الانتقال إلى الجماعات الثانوية في مرحلة المراهقة والاندماج في جماعات العمل في مرحلة الرشد وما يتعرض له من صراعات أو توترات في البيئة الخارجية وكذلك إجراءات اندماج الشخصية الاجتماعية والقانونية .وما يتسم به الزواج من مشاركة في مسؤوليات تكوين الأسرة وإنجاب الأطفال وتربيتهم وتنشئتهم اجتماعيا ،و الدور الذي يقوم به كل من الزوجين والأب والأم في الزواج والأسرة ،حيث أن أهمية المعرفة المتجددة للنمو النفسي وأصل السلوكات المنحرفة غالبا ما تنتج عن الزواج غير الموفق والأسرة المحطمة أو ما للنزاع والصراعات الزوجية ،والمرض والعطالة عن العمل ،واليتم وانعدام التدين من أثر سلبية على النمو النفسي لدى الفرد.
ويشمل النمو ظروف الحمل والولادة وعلاقة الأم بالرضيع ،وخاصة ما يتصل بتغذيته وإحاطته بالرعاية والحب وتوفير الأمن والاطمئنان له،ثم مرحلة الفطام والتسنين وتدريب الطفل على تنظيم وظائف الإخراج وأهمية ذلك في البيئة التكافلية والطريقة المتبعة لذلك .والمشكلات الانفعالية التي تترتب عليها ،وكذلك دراسة مراحل النضج وزيادة قدرة الطفل على الحركة والتنقل واكتساب مفردات اللغة ،ثم يصبح اللعب ذا أهمية خاصة بالنسبة للطفل كوسيلة للتعبير عن عواطفه المختلفة من حب وكراهية وعدوان،وكوسيلة لاكتشاف العالم المحيط به.
فبداية المرء بالابتعاد عن الأسرة قد تكون في السن الرابعة وحتى السادسة حيث تتسع الرغبة في تكوين علاقات مع أطفال آخرين سواء من جماعات الحضانة أو جماعات اللعب التلقائية .ونتيجة التفاعل المستمر مع الآخرين يستطيع الطفل التنازل عن بعض حاجاته ويتحمل الإحباط الذي يشعر به إذا لم تشبع حاجاته العاجلة.
أما بالنسبة لسلوك المراهقين والمراهقات فهو أشد ما يجب على العامل السوسيوتنموي تفهمه بشكل علمي وعملي ،وخاصة من حيث الميل إلى جماعات من الجنس الآخر ،والرغبة في تكوين جماعات والأصدقاء القوية أو العصابات والتمرد على سلطة الأبوين والرغبة في التحرر من قيود الأسرة والنزوع نحو الاستقلالية والمسؤولية.ثم الرغبة في اختيار الشريك من الجنس الآخر يقصد الزواج حسب التقاليد السائدة في البيئة المعيشية .كما أن لمناهج وبرامج استثمار الوقت في العلم أو في العمل ،أو التثقيف الذاتي أو التنشيط البدني أو في التطوع السوسيوتنموي تأثيرات كبيرة نظرا لأهميتها في تدعيم وتحصين سلامة الصحة النفسية للأفراد والجماعات.
ومن الأمور الواجب الاهتمام بها داخل دار المواطن هي الحرص على الربط بين مراحل النمو وعلاقتها بالأهمية النفسية للتعلم والعمل،وما يضفيانه على الفرد من أهمية من حيث المكانة الاستقلالية ويجب أيضا إدراك الطرق المتبعة في العمل على الفرد والأسباب المؤدية إلى النزاع داخل العمل مع الرؤساء وأرباب العمل وهي التي كانت تحدث مع الآباء من قبل.ويتوقف النجاح في هذه المرحلة على قدرة العامل السوسيوتنموي في تمكين الفرد من الإقتدارات المعرفية والانجازية بالإضافة إلى الحصانة النفسية الميسرة لتحمل المسؤوليات التي يفرضها العمل،وكذلك القدرة على نسج العلاقات الإنسانية الناجحة مع الزملاء ويطال جهد العامل السوسيوتنموي في هذا الصدد المكانة التي يمنحها المجتمع للفرد وقدرة هذا الأخير على التكيف مع الأدوار المختلفة التي يتحتم عليه القيام بها.
وللفرد المسن أهمية بالغة في الاهتمامات العلمية العملية للعامل السوسيوتنموي فقد تكون للمسن مكانة احترام وتقدير داخل بعض الثقافات ،وقد يتم في بعض الثقافات الأخرى بالعزلة والانطواء والإبعاد ،بالإضافة إلى الفراغ والضعف والمرض حيث يعاني الفرد المسن من الإهمال و النقص والحرمان من حقوقه الحياتية الطبيعية ،مثل الزواج بعد الترمل وممارسة الرياضة والمشاركة بالرأي والتفكير مما يجعله شديد الحساسية والقلق والحزن.
ويستطيع العامل السوسيوتنموي المتبصر ملاحظة السلوكات الانحرافية المختلفة في ضوء عملية النمو بأسرها ومن أمثلة ذلك السلوكات الإنحرافية لدى الأطفال الناتجة عن التفكك أو التصدع العائلي ،كما أن الحرمان النفسي الشديد قد يعوق النمو النفسي والاجتماعي ويؤدي غالبا إلى الانطواء والانسحاب أو العدوان أما سلوكات التخدير والسكر والدعارة والعلاقات الجنسية غير المشروعة فهي مجرد تعبير عن هروب من واقع غير قادر على إشباع الحاجات النفسية والاجتماعية بشكل متوازن كما يبدو وذلك أيضا نحو معاقبة الذات وممارسة العدوان على الآخرين نتيجة اضمحلال القيم وعدم توازن الفرص المتاحة للحياة بشكل سليم مع الطموحات المتزايدة للفرد داخل بيئة منحلة تكرس داخله الإحساس بعدم الانتماء.
فلا ريب في أن رسالة العامل السوسيوتنموي داخل دار المواطن هي رسالة التنمية البشرية تتأسس على المعرفة العلمية والمراس المهني للنمو البشري بكل أبعاده الجسمية والنفسية بالتركيز ‘لأي أهمية العلاقة الاجتماعية في نمو الفرد وأثر البيئة الاجتماعية في تكوين شخصيته وصياغة اتجاهاته وسلوكا ته.لكن لابد من النص على أن هناك وسط بين الفرد والبيئة الطبيعية يسمى البيئة الإنسانية المؤلفة من جماعات منظمة ممتلكة لثقافة معينة ،ويعتبر تفاعل الفرد مع الأشخاص الآخرين المحيطين به العامل الحاسم في تكوين معظم أنماطه السلوكية واستجاباته الانفعالية المختلفة،وهو أمر يتأكد بشكل متواصل لدى العديد من الباحثين السيكولوجيين المعاصرين الذين ينصون على عمق تأثير العوامل الاجتماعية والثقافية في تكوين شخصية المرء وضرورة دراسته في ضوء علاقته الاجتماعية .وهذا يتطلب من العامل السوسيوتنموي تفهم تكوين شخصية الفرد المستهدف من مناهج وبرامج دار المواطن في إطار عمليات التفاعل بين الفرد وبين العناصر الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بالمجتمع،وكذلك البيئة المادية والطبيعية والأصول التاريخية التي تؤثر بطرق مختلفة في أسلوب حياة المجتمع وتحدد آماله وأمانيه.
وتظهر أهمية العامل السوسيوتنموي بقوانين التفاعل بين الفرد والمجتمع سواء كان ذلك العامل يشتغل مع الأفراد أو الجماعات أو المجتمعات باعتبار المرء كل متكامل له طبيعة مادية ونفسية وعلاقات اجتماعية تؤثر في اتجاهاته وسلوكه،ويستدعي ذلك معرفة أساسية بإطار المجتمع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والقانوني والسياسي لكي يتسنى له تقدير مكان الفرد داخل هذا الإطار وأثر العمليات الثقافية والاقتصادية عليه.
ولعل من أهم المعارف الواجب التسلح بها من لدن العامل السوسيوتنموي المعرفة بضوابط التشخيص الاجتماعي ،ووضع الخطة العلاجية والإنمائية في ضوء العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية للوضعية أو الحالة أو الجماعة المستهدفة وكذلك في ضوء الموارد المتوفرة لدى المجتمع. أما تدخلات العامل السوسيوتنموي قد تكون عادية بالنسبة للتدبير اليومي للأداء السوسيوتنموي الذي تسعى دار المواطن إلى تحقيقه ،لكنها تكون استثنائية عندما يؤدي التفاعل بين الفرد ووضعية معينة إلى الضيق أو التو ثر أو لحث جماعة على الانخراط في عمل معين منذ استقلال المغرب و إلى الآن أن التعاون الوطني هو دار المواطن التي بدأت خدماتها تقديم المساعدات المادية ومنها إلى خدمة الفرد في سياق صعب لتصل إلى التنمية الإنسانية والإدماج الاجتماعي المنتج وفق مناهج وبرامج التثقيف على التضامن وتضييق المسافة الحميمية والتواصلية والمادية بين أبناء المجتمع ومقاومة الاستبعاد الاجتماعي،أنه شبكة للأمان والسلامة النفسية والاجتماعية ،ورافعة هامة في عملية التنمية البشرية المعتمدة على الإنصات السيكولوجي الفعال والتدخل السوسيوتنموي المنتج،والمتفهم لكل الضوابط القانونية والتوجهات السياسية للبلد وظروفه الاقتصادية ليس لأنها من عناصر البناء الاجتماعي للمجتمع المغربي فحسب بل لأن وظيفة هذه المؤسسة ومن خلالها دار المواطن هي إشباع الحاجات الاجتماعية داخل المجتمع ،وعن طريق استخدام إمكانيات العمل السوسيوتنموي العام والخاص والجمعوي.
ثانيا : العمل مع المجتمع
إن العامل السوسيوتنموي المطلوب للعمل بدار المواطن في حاجة إلى الإلمام بالظروف التاريخية والاجتماعية للمجتمع الذي يعمل داخله إلى جانب الإدراك الجيد للأسس المنطقية التي تقوم عليها النظم الاجتماعية المختلفة .وأن يتفهم النظرية والتنفيذ الفعلي،وأن ينظر إلى المجتمع نظرة فاحصة ناقدة في ضوء الإثارة المباشرة التي تنعكس على وضعيات المستهدفين من عمل التعاون الوطني عامة ودار المواطن بالخصوص .ولهذا السبب يبنغي دراسة بعض المجتمعات دراسة مقارنة خاصة فيما يتصل بأساليب الرعاية الاجتماعية كما ينبغي أن يرى العامل السوسيوتنموي المشاكل الاجتماعية الحالية كجزء من عملية تاريخية ،وذلك من خلال المعرفة الجيدة بما يلي :
النظام السياسي:
ويعني الاستيعاب الجيد للبناء الدستوري للمغرب وشكل دولته و السلط صاحبة السيادة داخله والعلاقة البيئية التي تربطها وشكل الحكومة ونظام الجماعات المحلية والتنظيم القضائي والهيئات النيابية ونظم الانتخابات ونظم الجمعيات والاحزاب والنقابات وعلاقتها بأجهزة الدولة .
النظام القانوني:
ويجب من خلاله تمكن العمل السوسيوتنموي من رصد طبيعة التشريع وعلاقته بالأعراف والتقاليد والقيم السائدة ودور القانون في تنظيم العلاقات بين الأفراد والجماعات لتحقيق الصالح العام للمجتمع،ومدى القوة الملزمة لهذا القانون على كافة كل من توفرت فيه شروط انطباقه ،وللقانون أهمية بالغة سواء باعتباره أسلوبا من أساليب الضبط الاجتماعي ،أو كمرجع لصياغة القرارات وما يتصل بها من أنواع التدبير الخدماتي أو التعاقدي أو الجزائي سواء تعلق الأمر بالأمور القضائية مدنية كانت أم تجارية أم إدارية كانت أم جنائية أو بالأمور الإدارية في علاقة الإدارة بالمواطن أو سياسة في علاقة السلطات بعضها ببعض وخاصة ما يهم تنازع الاختصاصات.
وللقانون أهمية أخرى لابد للعامل السوسيوتنموي من دراستها وخاصة ما يتعلق بنظام الأسرة الزواج والطلاق والإرث والحضانة والنفقة والنسب ونظام الحالة المدنية والأهلية والولاية الشرعية والوصية والتكفل وكذا قوانين الأطفال المهملين أصحاب السلوكات الجانحة وقوانين أصحاب الاحتياجات الخاصة و قوانين الرعاية الاجتماعية للأيتام والمسنين .وقوانين التشرد والتسول والإهمال ...
بالإضافة إلى القوانين التنشئة للمؤسسات الاجتماعية عامة ومؤسسات الاجتماعية بالخصوص والقوانين المنظمة للتدبير المالي والإداري لها وكذا المراسيم التطبيقية لها وربط التشريعات العادية والفرعية بالسياسات الاجتماعية وكذا الدراسات العلمية التي تطالها .
الثقافة السياسية :
وتتجلى في امتلاك العامل السوسيوتنموي للمعرفة العلمية بالنظريات المتعلقة بموضوع الدولة وأغراضها والعلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة .والآراء المتداولة بشأن طبيعة الصالح العام والتقدم الاجتماعي ومفهوم السلطة والمسؤولية وحقوق الإنسان والحريات السياسية والمدنية والمساواة والعدل الاجتماعي .وهذا يجب التركيز عليه من خلال التعمق في دراسة الفلسفة الاجتماعية التي يقوم عليها العمل السوسيوتنموي.
الثقافة الاقتصادية :
يتطلب الأداء الجيد لدار المواطن إلمام العامل السوسيوتنموي بمجموعة من الموضوعات الأساسية لحياة المجتمع الاقتصادية ودراسة الجوانب الاقتصادية للسياسة الاجتماعية وخاصة ما يتصل بخدمات دار المواطن كمرفق عمومي منفتح على خدمات الحركة الجمعوية على قواعد الشراكة وكذا تنظيم ميزانية الأسرة ومستويات المعيشة والحياة الاجتماعية لجماعات ومجتمعات معينة.
ولما كان العامل السوسيوتنموي يشتغل في إطار الموارد الاقتصادية المحدودة فلا بد له من إدراك أن الاختيار هو أحد المشكلات الأساسية في الحياة الاقتصادية ويعود ذلك إلى أن الموارد المتوفرة أقل دائما من حاجات الإنسان وتطلعاته. ويرتبط هذا الموضوع بأخذ أهداف العمل السوسيوتنموي وهو مساعدة الأفراد على امتلاك الاقتدار والاستمتاع بأكبر مساحة من الحرية لتوسيع الشعور بالمسؤولية في ممارسة الاختيار .وهذا يحتاج إلى التثقيف التحدد في مجموعة من الموضوعات منها:
أ- طبيعة علم الاقتصاد ومجاله ،مشكلة الندرة ومسائل علم الاقتصاد الأساسية الأخرى بما فيها مسألة الطاقة ،والمشكلات الاجتماعية وأهمية ملاحظة الاتجاهات في الإنتاج والاستهلاك.
ب - الحياة الاقتصادية للمجتمع ،كيف تنتج الثروة الاقتصادية ،والموارد الطبيعية والقوة العاملة واستخدام الأساليب والمعدات الصناعية والتكنولوجية والبناء المتغير للزراعة والتجارة والصناعة والخدمات ،ومكانة الشغل والتشغيل في كل منها والتصنيع بما فيه الإنتاج الضخم،وتوزيع العمل وما يقابله من زراعة وحرف يدوية يقوم بها الفلاحون والمشكلات الاقتصادية للإنتاج والتسويق ،واستعمال النقود كوسيلة للتبادل وأنواع الدفع الأخرى وكيفية تحديد الأجور والأسعار ،والأجور الفعلية والأجور النقدية ،وفئات السكان العاملين والعمالة الجزئية والبطالة وشروط العمل مع الإشارة بنوع خاص إلى عمل النساء والأطفال ودور الحكومة والنقابات وأصحاب العمل في تحديد الأجور وشروط العمل.
ج - الدخل القومي : من ناحية جملة الإنتاج والنفقات وتوزيع الدخل القومي بين الفئات الاجتماعية المختلفة في المجتمع ،ونسبة الاعتمادات المخصصة للعمل السوسيوتنموي من الميزانية العامة ،ومشكلات تحديد الأولويات وعلاقتها بالموارد المحدودة وتوقيتها وتوازنها بحيث تؤدي إلى أقصى إنتاج اقتصادي واجتماعي ممكن والاستثمار العام والمدخرات وتخطيط ميزانية الأسرة وطرق الإنفاق خاصة بالنسبة للغداء والسكنى و الكساء والترويح بين الفئات الاجتماعية ودراسة مستوى الفقر وخاصة حالة الكفاف والأسباب التي تؤدي إلى الفقر ومقاييس تحديد مستويات المعيشة والوسائل المتبعة لرفع مستوى المعيشة وفاعليتها والمشكلات التي تسببها بعض العوامل كالموارد الطبيعية المحدودة وعدم توفر رأس المال اللازم للاستثمارات وتفشي الأمية والخصومة مع التعلم والفقر التكنولوجي .
د - مشكلات التحضر: ويهم هذا الجانب الهجرة من البوادي إلى الحضر ،وأسبابها و وسائل المواصلات والسكن والإجراءات الصحية والظروف العامة للمعيشة والعمل ومعدل نمو المدن ومشكلات الانتقال من المجتمع الصغير والأسرة الكبيرة والنظام القبلي إلى المجتمعات الحضرية التي تتسع فيها فرص العمالة والأسرة النووية والعلاقة الثانوية.
ه - الاتجاهات السكانية : ويتعلق بدراسة السكان من حيث الحجم والكثافة واتجاهات السكان وعلاقتها بالدخل القومي ومستوى الإنتاج والخصوبة ومعدل التوالد ومعدل الوفيات بين الأطفال ومعدل الوفيات بين السكان والعوامل المؤثرة في متوسط الأعمار وتوزيع السكان حسب السن والجنس والمهن والتوزيع حسب المستوى الجغرافي ،وعلاقة ذلك بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تترتب على النمو الديموغرافي السريع.
واعتبارا لما للعلوم الاجتماعية من أهمية كبرى في تكوين وتأهيل العامل السوسيوتنموي بوصفها الوسيلة الأساسية التي يعتمدها في رصد المؤثرات الاجتماعية من حيث التأثير على سلوك الفرد وسلوك الجماعة وكذا بالنسبة لاهتمامه بالمكونات الثقافية للتصرفات الأسرية وقواعد السلوك الاجتماعي المقبولة والأدوار التي يقوم بها الأفراد داخل الأسرة والمجتمع، ومن ضمنها نزاعات الزوجين نحو بعضهما البعض ونحو الأبناء، ولا يعتبر هذا الجانب ضروريا للتشخيص الاجتماعي وصياغة مقاربة للعلاج التي يسلكها العامل السوسيوتنموي فقط بل ينبغي أن يدرك هذا الأخير أنه يمكن أن يكون تمت اختلاف بين العاملين السوسيوتنمويين وآرائهم الثقافية وبين قيم وآراء المستهدفين من التدخلات السوسيوتنموية لدار المواطن.
والغرض من الدراسة المتجددة لهذا الحقل المعرفي هو التطوير المتواصل للأساليب التي يعتمدها العامل السوسيوتنموي في رصد وتطوير التفاعل الاجتماعي المؤلف لحياة المجتمع ولبنائه الاجتماعي وللعمليات الاجتماعية السائدة في المجتمع، وعليه فالعامل في حاجة ماسة إلى دراسة عملية المكونات الاجتماعية لسلوك الفرد وبالطريقة التي توجه بها الدوافع الأساسية وطريقة التعبير عنها وبالحاجات الأساسية التي تفرضها بيئة ثقافية معينة وتحليل القيم التي تفرضها الثقافة وأساليب المعيشة ودورها في تحقيق النمو السليم للفرد وقيامه بوظائفه أو عرقلة هذا النمو وتعطيله.
ويستدعي إلمام العامل السوسيوتنموي للعلاقات الجماعية والتي تبدأ بجماعة الأسرة والعمليات الدينامية السائدة في علاقات الجماعة المتشابكة والتي تعتبر جانبا هاما من خبرة حياة الفرد وتتمثل في جوهرها دراسة عمليات التكيف الاجتماعي.
فالمجتمع يفرض على الفرد أنماطا معينة للسلوك ولذلك ينبغي أن يلم العامل السوسيوتنموي بالطرق التي يستجيب بها الفرد للمتوقع منه من سلوك وكيفية استجابته للقيم والمعايير وطريقة استجابته للقيم والنظم والسلطات وكيف يكتسب دورا محددا في الجماعة التي يعيش فيها وكيف يتخلى الناس عن بعض أساليب الحياة القديمة ويمارسون طرقا جديدة. إذ من الضروري مساعدتهم على تقبل التغيير والتغلب على مظاهر الصراع وسوء التكيف.
وتساعد المعرفة الانطربولوجية الاجتماعية العامل السوسيوتنموي على دراسة المجتمع والنظم الاجتماعية وتحليل العلاقة القائمة بين الناس داخل ذلك المجتمع. وتفيد الانطربولوجية الحديثة في هذا الصدد تفهم العادات والتقاليد وأنماط السلوك وتصرفات الناس وأهدافهم في الحياة اليومية ثم تتخذ منها العناصر الأولية التي ينبغي عليها تحليل العلاقات الاجتماعية التي تتبلور في ما يسمى بالنظم الاجتماعية وما إلى ذلك. والأنطربولوجية كعلم يهدف إلى معرفة وظيفة الظاهر أي الدور الذي تؤديه تلك الظاهرة أو ذلك النظام في البناء الاجتماعي. كما تهتم بدراسة أشكال التجمعات الإنسانية التي يمكن أن نجدها عند الإنسان.
ويستفيد العامل السوسيوتنموي من خلال استثماره للأنطربولوجية الاجتماعية في دراسة البناء الاجتماعي أي العلاقات الاجتماعية القائمة بين شخص وآخر وعلى سبيل المثال يتكون بناء القرابة في أي مجتمع من عدد العلاقات الثنائية كالعلاقة بين الأب والإبن ويشمل البناء الاجتماعي أيضا تمايز الأفراد وعلاقة البناء الطبقي للمجتمع بالمهنة والدخل والتعليم والمركز الاجتماعي والأدوار المختلفة بين الرجال والنساء وبين الرؤساء والمرؤوسين وأرباب العمل والعمال.
أما من حيث مفهوم الثقافة، فإن الانطربولوجية تساعد العامل السوسيوتنموي على دراسة الجماعات الثقافية في مجتمع معين واتجاهاتها المختلفة والمعايير الخاصة بخبرات الحياة الأساسية كما تعبر عنها في مواقف ثقافية محددة وأساليب السلوك وعلاقات الأدوار بعضها ببعض، ويمكن دراسة ميل الجماعات نحو تكوين عادات مختلفة واتجاهات وأدوار ثابتة وهذا يرتبط بفهم التغيير الاجتماعي سواء كان مخططا أو غير مخطط مرغوبا فيه أو موضوع مقاومة كما يفيد هذا المجال في رصد حقيقة المشكلة الناشئة عن التخلف والصراع الثقافيين. وتعتبر معرفة الاتجاهات وطرق تغيرها من أهم الحاجات المهنية التي يحتاج إليها العامل السوسيوتنموي لأن جانبا كبيرا من مهاراته يوجه نحو مساعدة الأفراد والجماعات والمجتمع في تغيير الاتجاهات التي تعوق حرية اختياراتهم وتكوين التصورات الايجابية نحو ذواتهم. وفي نفس الإطار، يحتاج العامل السوسيوتنموي إلى الإلمام بدينامية الجماعات وهي معرفة تهم طبيعة الجماعة وأهميتها بالنسبة للفرد وكيف أن الجماعة سابقة عن وجود الفرد وأنها المهد الذي تتكون فيه الشخصية الإنسانية، وتعتبر العضوية في الجماعة ضرورية للنمو الفردي وتوطيد أركان الصحة النفسية لدى المرء لاعتبار الجماعة هي الأداة الأساسية في إشباع حاجات الفرد خلال العلاقات المتبادلة التي تحقق الشعور بالانتماء والأمن والتقدير.
ويحتوي تحليل الجماعة دراسة الدوافع التي تجعل الأفراد يقبلون على تكوين الجماعات والأغراض التي تسعى إليها الجماعات المختلفة والتاريخ الطبيعي للجماعة والعلاقات بين أعضائها وكذلك العلاقات بين مختلف الجماعات وتشمل أيضا عمليات التماسك وتفكك داخل الجماعة والعوامل التي تؤدي إلى تكوين جماعات فرعية والأدوار المتغيرة التي تقوم بها القيادة وعمليات الاتفاق والصراع وعلاقتها بحياة الجماعة وتقدمها.
وتشما دراسة المجتمع أيضا مظاهر التماسك والتفكك الاجتماعي ويستلزم ذلك التعرف على الجماعات التي تعاني من مشكلات معينة وتمت صعوبات كبيرة لتحديد العوامل المتغيرة التي يمكن أن تعتبر معايير يستطيع العامل السوسيوتنموي بواسطتها تقييم مستوى الصحة النفسية بكل أبعادها الروحية الجسدية النفسية والاجتماعية ومستوى جهود الرعاية التي تطالها ونوع الأمراض النفسية والاجتماعية التي تعانيها والعمل على تحويل المعطيات من النوع إلى الكم، وقد تكون المعطيات انعكاسا لواقع قيمي وثقافي معين، مما يفرض على العامل السوسيوتنموي المتخصص الاعتقاد باستمرار باختلاف المعطيات وعناصر التقييم التي تختلف من شخص إلى آخر ومن زمان إلى زمان ومن مجتمع إلى آخر.
ولعل من عناصر التقييم الواجب الاستئناس بها:
الحريات العامة
الصحة النفسية
الظروف والأحوال السكانية
الغذاء والتغذية
التعليم والتعلم
التشغيل وظروف العمل
الضمان الاجتماعي
القدرة الشرائية
السكن والتنقل
البحث الاجتماعي:
يحتاج العامل السوسيوتنموي إلى التمرس الفعال على تقنيات البحث الاجتماعي بشكل متجدد بتوازي مع تكوينه الذاتي والمهني وأداته الميدانية بشكل متكافئ فهو في حاجة إلى الإلمام بالمنهج الأخصائي واستخدامه بطريقة ملائمة والتمرس على إعداد واستعمال أدواته المنهجية وتوظيفها في صياغة المقاربات التدخلية وصناعة الاستراتيجيات المتعلقة بتوظيف دار المواطن في إنماء وتأهيل محيطها السوسيوتنموي.
والغرض من البحث الاجتماعي هو التعرف العلمي على المشكلات الإنسانية وأسبابها ونتائجها واكتشاف أساليب معالجتها والحد من انتشارها عبر مناهج وبرامج متخصصة وناجعة.
والبحث الاجتماعي في تدبير العمل السوسيوتنموي بدار المواطن ضرورة ووظيفة مجتمعية ملحة داخل مجتمع متغير فهو الأداة السليمة التي تمكن العامل السوسيوتنموي من صناعة الاستراتيجيات المستقبلية والبرامج الاستباقية لتحسين أحوال الظواهر والسلوكات الإنسانية بالتركيز على تقوية الأفراد والجماعات وتقويتهم على التمتع بالحرية وتحمل المسؤولية والمشاركة الفعلية قي تدبير الحياة بمشاريع شخصية مندمجة في محيطها وناشدة لتطوره.
الإدارة:
تمكن الإدارة الجيدة العامل السوسيوتنموي من تدبير المؤسسة سواء من حيث بنائها أو وظيفتها أو برنامج عمل بها وما تقدمه من خدمات جيدة أو تحسين الخدمات القائمة.
وترتبط الإدارة الجيدة بدينامية الجماعة وتفاعلها كما يبدو ذلك في العمل الذي يقوم به الموظف داخل مؤسسة الرعاية الاجتماعية وفي العلاقة بين المؤسسات الأخرى.
فالإدارة الجيدة للمؤسسة السوسيوتنموية هي التي تستطيع ترجمة الحقوق السوسيوتنموية الواردة بالتشريعات الوطنية والدولية بالإضافة إلى الشرائع السماوية إلى خدمات فعلية ومزايا دينامية لصالح الإنسانية. فالغاية من دار المواطن كمؤسسة سوسيوتنموية هي ترقية الناس روحيا وجسديا ونفسيا واجتماعيا واقتصاديا إلى أقصى الكفاءات الممكنة، وعليه يجب تسمية إدارتها بمهندس العاقات الإنسانية.
وهذه الإدارة لا تقتصر من حيث المهارات على ما هو اجتماعي صرف ذلك لأنها امتداد للإدارة العامة سواء من حيث إدارة الأعمال أو تدبير الموارد البشرية والزمانية والمالية إلا أن الأهداف السوسيوتنموية تعتبر ميزة تتميز بها إدارة دار المواطن عن إدارة المشروعات التجارية والصناعية عن غيرها من الإدارات التي لا تتعامل مباشرة مع البشر.
ويجب أن تتضمن الإدارة استخدام المعارف والمهارات المهنية التي تختلف عن المعارف والمهارات المطلوبة في إدارة الأعمال أو في إدارة المدارس أو في إدارة الضرائب.
ومن أهم وظائف إدارة المؤسسة السوسيوتنموية رسمية كانت أم جمعوية الكشف عن الحقائق وتحليل الظروف والخدمات اللازمة لإشباع الحاجات الإنسانية، واتخاذ القرارات المناسبة للوصول إلى هذا الغرض تم تخطيط وتوزيع الموارد وإعداد البناءات التنظيمية وشروط الاشتغال وتوفير الموارد اللازمة للمؤسسة والإشراف على الأداء ومراقبته وتوفير الموارد المالية وصيانة سلامتها.
ويتوقف جمع المعطيات على مناهج وبرامج دار المواطن والأهداف التي تتوقف بدورها على الموقع الجغرافي للدار إذا كانت قروية أو حضرية وإذا كانت مديرة بشكل مباشر من لدن إدارة التعاون الوطني أو بشراكة مع الحركة الجمعوية أو المجلس الجماعي.
ويتطلب الكشف عن المعطيات دراسة الظروف الاجتماعية والتنموية ومستويات التفاعل والتواصل والتضامن والتعاون بين الأفراد والفئات المتواجدة داخل المجتمع المحلي لدار المواطن وهي التي تفرض على دار المواطن تخطيط جسور التفاعل والتواصل والتضامن قبل تخطيط الخدمات الواجب توفيرها لكل شرائح مجتمعها المحلي بترتيب الاحتياجات حسب الأولوية. أما من حيث التعامل مع المشاكل الاجتماعية والتنموية وصعوبات التفاعل والتواصل والتضامن والتعاون مع كل شرائح وفئات محيط دار المواطن فيستدعي تمكن إدارة هذه المؤسسة من تقدير نوع وحجم الخدمات المطلوبة وتقييم اتجاهات المستقبل على أساس البيانات الإحصائية التي تتوفر عن الخبرات السابقة.
وبعد التشخيص الذي يجب أن تقوم به إدارة دار المواطن للواقع التفاعلي والتواصلي وتحديد نوعية الخدمات المطلوبة ينبغي صياغة الإطارات الإجرائية أي طريقة العمل وفق الموارد البشرية والزمانية والمادية المتوفرة وتقرر أفضل الطرق لاستخدام هذه الموارد. ويجب أن يقوم عمل دار المواطن على تخطيط يقوم على المشاركة في التفكير وتحديد الأولويات وصياغة الاختيارات للتوصل إلى تحديد أفضل الطرق لتحقيق أغراض دار المواطن وتعميق رؤيتها وتطوير رسالتها في إشباع حاجات الأفراد والجماعات والمجتمع المتغير.
ومن شأن صياغة البناء التنظيمي لدار المواطن وتحديد اختصاصات العاملين السوسيوتنمويين بها وكذا هيكلة تواصلها مع دور المواطن المتواجدة على مستوى العمالة أو الإقليم وعلى صعيد الجهة وصولا إلى المستوى الوطني قصد رصد التجارب والخبرات واستثمار البحث العلمي في تطوير الأداء بالإضافة إلى صياغة تنظيم يتسع لاحتضان وتفعيل أسباب التفاعل الايجابي والتواصل الفعال والتضامن الاجتماعي والتعاون المواطن بين كل المغاربة.
إلا أن التدبير اليومي لدار المواطن وهي في بداياتها تحتاج إلى المزيد من بدل الجهود بشأن التوظيف والتعيين داخل هذه المؤسسة وتحفيز العاملين بها سواء من حيث الترقيات أو من حيث الأجور أو من حيث دعم الحصول على سكن قريب من المؤسسة وشروط الاشتغال أو من حيث التقييم العادل لانجازات الموظفين الذي يعتبر من الأمور الضرورية لضمان كفاءة الخدمة وسلامة الروح المعنوية بالإضافة إلى التحفيز على التكوين الذاتي والتكوين النظامي والبحث العلمي.
ويجب أن تحتوي إدارة هذه المؤسسة على مجموعة من آليات الضبط والمراقبة والتقييم وتطوير الأداء ذات طابع مركزي وجهوي وذاتي بسمح بتطوير استراتيجيات دار المواطن كفضاء سوسيوتنموي يسعى إلى توظيف الطاقات العلمية والفكرية والتقنية والإدارية والقانونية في تقوية ثقافة التضامن والإخاء والعدالة بين أفراد وجماعات المجتمع المغربي.
ولتقوية أواصر الثقة بين دار المواطن وكل شرائح محيطها المحلي لابد من تشفيف مقدراتها المالية من حيث المصادر وأغراض الصرف، وأساليب التدبير وعدالتها فإمساك الدفاتر المالية والتدقيق في تسجيل الأنشطة والمهمات التي تنجزها المؤسسة وتقديم تحليل دقيق للميزانية التي ينبغي تقديمها لمجلس التسيير بدار المواطن ثم لإدارة التعاون الوطني وهذا يتوقف على تحديد وتدبير الموارد اللازمة لدار المواطن على طبيعتها وبنائها، سواء بالنسبة للمؤسسات المديرة مباشرة أو المدارة بشراكة مع القطاع الجمعوي والجماعات المنتخبة.
التدريب الميداني:
ومن المسلم به أن العامل السوسيوتنموي يعمل على تغيير الأفراد والجماعات والمجتمع وبدل الجهد العلمي والمهني لبعث الطاقات الخلاقة الكامنة لدى الأفراد والجماعات والمجتمع ،وأن يشتعل العامل السوسيوتنموي في مواقف الأزمات وما يحدث من استجابات من جانب الأشخاص والجماعات في مواقف يشتد فيها الضيق والتوتر والصراع .ومن تم يكون المحور الأساسي هو ربط المواد التأسيسية بالمواد المهنية ومع ذلك فلا يمكن أن يعتبر هذا الغرض ملائما إلا للدور الذي يؤديه العمل السوسيوتنموي في حالات الاضطراب الانفعالي أو المادي أو ألعلائقي الذي يؤدي إلا الارتباك والسلبية والعجز في مواجهة المواقف الضائقة . كما أن هذا الوصف لا يمكن أن ينطبق على الأهداف الإيجابية التي ترمي إليها دار المواطن كفضاء سوسيوتنموي ينشط ويأهل التفاعل الاجتماعي والتواصل والتضامن بين الفئات والشرائح المجتمعية وتعاونها على الانطلاق واكتشاف إمكانية العمل والتقدم والنمو النفسي والاجتماعي المتوازي.
وإذا كان العمل الاجتماعي في حقب تاريخية ينحصر في الإحسان والرعاية الموجهة للفئات المعوزة فإن العمل السوسيوتنموي يهتم بمظاهر سوء التكيف الاجتماعي وسوء الأداء الوظيفي وسوء التفاعل وانحراف التواصل وتلاشي أواصر التضامن وضعف مستوى التعاون بين أبناء المجتمع المغربي بكل فئاته وشرائحه وما يعانيه من استبعاد اجتماعي . فسوء التكيف غالبا ما يرجع إلى عدم وجود علاقات اجتماعية إيجابية بين الأفراد داخل الأسرة أو داخل المدرسة أو في الحي السكني أو بمقر العمل أو في الشارع.
وعدم وجود علاقة بين الفقراء والأغنياء جراء هيمنة نزعة التملك واضمحلال قيم الكينونة ،وهو ما يفرض اعتماد المقاربة السوسيوتنموية لتجاوز القصور والتخلف اعتمادا على استثمار القدرات الذاتية في إشباع الحاجات ونسج العلاقات بالإضافة إلى المصالحة مع الذات بكل مفاهيمها الواقعية والمثالية و الشخص الآخر.
وعليه فإن عمل دار المواطن يجب أن يركز على التفكير بالإنسانية والعمل المنتج دخل المحيط ثم يجب أن يشكل ذلك المتصل الذي يوجد في أحد